شيخنا الفاضل صلاح الصاوي، حفظك الله. إن اللهَ قد امتنَّ علينا بالفتح وإهلاك الطاغوت, وقد تداعت بنو علمان علينا واشرأبت رءوس المنافقين، وتأهَّب اليهود والنصارى لإقصاء الدين, فرأينا أن ندعم مسيرتنا لدولة الإسلام بمشروع سياسي يحفظ ثوابت الملة, ويرضى به الله عنا، مستعينين بالله سبحانه ثم بمشورة علماء الأمة الصادقين الصادعين بالحق، إبراء للذمة وإعذارًا للأمة، حتى لا يتشدَّق المنافقون بقصور مشروعنا الإسلامي, ويتهمونا بالعجز عن طرح مشروع يواكب عصرنا وطموح الليبيين.
فإننا نسعى لعرض أسسٍ لصياغة الدستور على العلماء ومشايخ القبائل وقادة الثوار والمثقفين، حتى يكون مطلبًا شعبيًّا, ولله الحمد والمنة قد استجاب لنا الكثير من العلماء ومشايخ القبائل وقادة الثوار والقضاة والمثقفين مبدئيًّا, والغرض من هذه الأسس تقييد الدستور والآليات بضوابط تضمن لنا تطبيق الشريعة, وتطمس مخططات أولي المكر والخديعة, ولا تعطي للمنافقين لتغيير الملة ذريعة, ونريد أن نعرضها عليكم ونستشيركم فيها, حتى تُقوِّمونا إذا اعوججنا، وتشدُّوا أزرنا إذا ولجنا. ونسأل الله أن يُبارك في دينكم وعلمكم وأعماركم وأرزاقكم ويجعلكم للدين ذخرًا, وللمسلمين أزرًا.
أسس البرنامج السياسي لثوار 17 فبراير:
• الحاكمية لله، فلا مُشرِّع غير الله ، ودور الدولة هو تنفيذ الشريعة الإسلامية وسياسة الدولة بها.
• الشريعة الإسلامية هي مصدر كل التشريعات والقوانين والأحكام.
• الإسلام دين الدولة والشعب.
• إنشاء لجنة شرعية عليا من أهل الاختصاص من العلماء الشرعيين وعلماء باقي المجالات المختلفة ووجهاء البلاد لضمان تطبيق الشريعة وصيانة الدستور.
• لا تعتبر مشاريع وقرارات وقوانين البرلمان نافذة إلا بعد موافقة اللجنة الشرعية العليا عليها.
• تختص اللجنة الشرعية العليا بضبط العملية الانتخابية الرئاسية والبرلمانية من الناحية الشرعية، ولها كامل الصلاحيات في ذلك.
• تنشأ الأحزاب كجماعات تنموية بعد تزكية من اللجنة الشرعية العليا، بغرض تنموي في إطار التعاون على البر والتقوى ومصالح المسلمين، لا دعائيٌّ تنافسي تتلف فيه الأموال الطائلة من أجل خداع الناس بزيف الحملات الانتخابية، ولا دَعَوِيٌّ تدعو فيه لأفكار هدامة مخالفة للشريعة الإسلامية.
• الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية لا تتم إلا بعد التزكية من اللجنة الشرعية العليا للمنصب المعين، فإن كان المنصب يصلح له رجال معينون توفرت فيهم الأهلية والكفاءة والقدرة والنزاهة والأمانة والدين تتم تزكيتهم وتقديمهم للترشح وانتخاب عامة الناس لهم.
• لا حصانة لأحد من المساءلة والمحاكمة الشرعية والمراجعة والمتابعة، سواء كان رئيسًا أو مرءوسًا من نواب البرلمان أو اللجنة الشرعية العليا أو الحكومة الوزارية، فكلهم سواء أمام الشريعة الإسلامية.
• تُكفَل الحرية الإعلامية للصحافة والإعلام ما لم تخالف الشرع أو تستهزئ بأحكامه ومقدساته, أو تنشر فكرًا ضالًّا أو عقيدة كفرية؛ صونًا للإسلام.
• تُكفَل جميع الحقوق والحريات للمواطنين ما التزموا بأحكام الشريعة الإسلامية، وتُكفَل للرعايا جميع الحقوق والحريات من أصحاب الديانات السماوية الأخرى ما التزموا بأحكام أهل الذمة في الإسلام.
• حرية الفكر مقيدة بالشريعة الإسلامية، فما خالفها حُظِر ومُنِع صيانة للدين واحترامًا لمشاعر الليبيين المسلمين.
• جميع المعاملات الدولية والسياسات الخارجية للدولة تخضع لأحكام الشرع.
اتحاد عام شباب الإسلام، ليبيا. وشكرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأُحيي هذه الروح الوثابة التي تفيض بها كلمات هذه المسودة، ومن سُوَيْداء قلبي أتمنى لكم التوفيق، ولكنني أودُّ التأكيد على جملةٍ من المعالم التي أرجو أن يُستَهْدَى بها في هذا العمل وفي غيره من الأعمال المماثلة، حتى تنجح هذه الأعمال وتُؤْتي أكلها بإذن الله ونحن نعيش ما أُطلق عليه أنه ربيع الثورات العربية.
• أن هذه الثورة كانت ثورة الشعب بجميع أطيافه الفكرية وتنوعاته السياسية، فينبغي أن نحرص على اللغة التوافقية، وعلى التأكيد على المشترك الوطني العام الذي يجتمع عليها هؤلاء جميعًا مع عدم التفريط في الثوابت بطبيعة الحال.
• أن الوطن مشترك بين أبنائه جميعًا، بَرِّهم وفاجرهم، مسلمهم وغير مسلمهم، تسعهم أرضه وتُظِلُّهم سماؤه، فاحرصوا على اللحمة الوطنية، وأقيموا منها عهدة على غرار العهدة العمرية.
• لا حرج في استعمال مفردات السياسة المعاصرة مع تقييدها بمرجعية الشريعة، سيُسأل العالم عن موقف هذه الثورة من الحرية والديمقراطية ومن المواثيق الدولية، وتجاهل ذلك أو إعلان الحرب المطلقة عليه لا تصلح به دنيا ولا يقام به دين.
• حرص المشروع على إعلاء مرجعية الشريعة حرصًا مباركًا، ولكنه لم يبين ما هي ضمانات الأمة في مواجهة الاستبداد والطغيان، وحمايتها من التعسف والبغي والعدوان، وحقها في أن يحرس حقوقَها ومكاسبها قضاءٌ عادل حرٌّ نزيه، لقد كان الحَجَّاج يتسربل بسربال الشريعة عندما كان سَوْطه يلهب ظهور المعارضين، وعندما كان يقتل الناس صبرًا في سجونه، وفي واقعنا المعاصر توجد بعض الدول التي تتسربل بسرابيل الشريعة، ولا مجال في بعضها لكرامة بشرية أو حقوق إنسانية.
• اللجنة الشرعية العليا المقترح تشكيلها، لم يبين كيفية تشكيلها وآليات تكوينها ومحاسبتها وعزلها عند الاقتضاء؛ ولهذا قد يقال: إن ذلك من قبيل تكريس الطغيان باسم الدين، وفرض الوصاية على الأمة ومصادرة قرارها واختيارها باسم الشريعة، والشريعة من ذلك براء.
• أن جِمَاع القول في المهمات المنوطة بالولاة أمران: حراسة الدين، وسياسة الدنيا به، فأبقوا على مثل هذه العبارات الجامعة، وتخفَّفوا من العبارات التي شاعت في أوساط الحركة الإسلامية أو أُشيعت عنها في فترات القهر والتعسف، والتي وقف منه العالم موقفا سلبيًّا ما دامت مفرداتنا ستؤدي نفس المضمون وستوصل إلى نفس الغاية.
• أن جماع القول في باب السياسة الشرعية فيما يتعلق بسياسة شئون الأمة أمران: مرجعية الشريعة وسلطة الأمة، وما وراء ذلك مسائل اجتهادية وتدابير فنية وإدارية، فأبقوا على هذين المعلمين، واجعلوا منهما مشتركًا عقديًّا وسياسيًّا يلتقي عليه أبناء الوطن الواحد، ثم يتحاور الناس فيما وراء ذلك بروح الفريق الواحد.
• وفي ظل التأكيد على مرجعية الشريعة وسلطان الأمة يُترك أمرُ الفنيات في صياغة مسودات الدساتير ومشروعات الوثائق الوطنية إلى الفنيين من خبراء الصياغة وخبراء الشئون السياسية، وهذا علم مترامي الأطراف، ولا حرج في أن نجلس بين يدي هؤلاء متعلمين كما نتعلم الفقه من الفقهاء، والحديث من المحدثين، نتعلم السياسة من الساسة، وآليات الاقتصاد من خبراء الاقتصاد، وفنيات الخطاب الإعلامي من الإعلاميين، وهكذا. قد يشقُّ ذلك على بعضنا في البداية، فقد تعوَّدنا تصدُّرَ المجالس في مرحلة الدعوة، ولكن لابد أن نعالج هذه المشقة في أنفسنا في مرحلة الدولة، فإن إدارة دولة ليست كإدارة حلقة علم في مسجد، وللاقتصاد والسياسة والإعلام كليات ومقررات ومناهج وأساتذة وخبراء وفنيون، كما هو الشأن في سائر العلوم الأخرى.
• رفع الهمم للتشوف إلى إقامة الدين كما أنزله الله، والارتفاع بسقف الطموحات إلى تغيير جميع المنكرات، ولا يتعارض هذا مع القبول المرحلي بالممكن والمتاح في الحال، وتهيئة الأسباب لما يُمكن تحقيقه في المآل، خشية أن يُفضي الإصرار على غير المتاح في الحال إلى فَقْد المتاح وغير المتاح في الحال وفي المآل.
• القبول بالتدرج المرحلي المنضبط في تطبيق الأحكام الشرعية عند الاقتضاء بسبب استفحال الفساد وتشعُّب مجالاته، فإن الضعف عن تطبيق بعض الأحكام كما يتصور على مستوى الأفراد، قد يتصور على مستوى الدول، ويرجع في جدولة ذلك إلى الثقات من الفقهاء والخبراء.
• التأكيد على أن البر والقسط هو أساس العلاقة في التعامل مع المسالم لأهل الإسلام من غير المسلمين محليًّا وعالميًّا، ولا يكون اختلاف الدين مبررًا لظلم أحد أو الاستطالة عليه، ومن البر بهم والنصح لهم دعوتهم إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يتنافى ذلك مع الإقرار بوجود التعددية الدينية، وحماية حق المخالف في الدين في إقراره وما يدين، فإن الإقرار بوجود الأديان لا يعني الإقرار بصحتها جميعًا.
• التأكيد على أن أخوة الدين لا تنفي ما عداها من أخوة القبائل أو الشعوب، أو الأوطان، أو الإنسانية، ولا تتنكر لما ينشأ عنها من حقوق وتبعات، ما لم تُفضِ إلى إبطال حقٍّ أو إحقاق باطل، فللأخوَّة دوائر متداخلة وليست في أصلها متقاطعة، وفي مقدمتها أخوة الدين، ولكلِّ مستوًى منها حقوق وعليه واجبات أقرها الإسلام.
• التأكيد على أن المواطنة رابطة للتعايش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، مهما اختلفت مشاربهم أو تباينت عقائدهم، ويترتب عليها واجبات وحقوق متبادلة، وتجعل أصل حرمة الدماء والأموال والأعراض مشتركًا بين الجميع، ولا مساس بشيء من ذلك إلا وَفْق أحكام الشريعة الإسلامية، ومن خلال الأحكام القضائية النهائية.
• التأكيد على أن المعارضة السياسية ليست احترافًا في المنهج الإسلامي، فليس للمشتغلين بالشأن العام من الإسلاميين معارضةُ كلِّ ما يأتي من قِبَل مُخالِفِيهم صوابًا كان أو خطأً، على النحو الذي يجري عليه الحال في المعارضات العلمانية، بل يتعين عليهم أن يقولوا للمُصيب: أصبت. كما يقولون للمخطئ: أخطأت. لأنهم لا يُعارِضون لمجرد المعارضة، بل ينطلقون في معارضاتهم من قاعدة الحِسْبة، أمرًا بالمعروف متى ظهر تَرْكه، ونهيًا عن المنكر متى ظهر فعله، مع تحرِّي الحكمة في تخير الأسلوب المناسب، وتحيُّن الوقت الملائم في ذلك كله. والله تعالى أعلى وأعلم.