شرح حديث «نصرت بالرعب مسيرة شهر»

نرجو منكم شرح «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»(1)؟ بارك اللهُ فيكم.

__________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الصلاة» باب «قول النبي ﷺ: جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» حديث (438)، ومسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» حديث (521)، من حديث جابر بن عبد الله ب قال: قال رسول الله ﷺ: ««أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي؛ كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ»».

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن معنى هذه الكلمة أن اللهَ عز و جل  قد ألقى في قلوب الذين كفروا الرُّعب عند منازلتهم الـمُسلِمين، وكان الـمُسلِمون دائمًا في مقام المدافع عن الحقِّ، وكان الكُفَّار دائمًا في مقام البغي والعدوان والاستطالة الظَّالمة الغاشمة! فكان هذا الرُّعب من الأسباب القدريَّة التي هيَّأها الله جلَّ وعلا لنصرة نبيِّه ﷺ، وقد ذكرت هذه الكلمة في القرآن ثلاث مرات:
مرةً بعد هزيمة الـمُسلِمين في أُحُد نزلت هذه الآية:﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 151]، وهزيمة أُحد كانت في أعقاب خروج المشركين من مكة، وشنِّهم الهجوم على الإسلام وأمته في المدينة.
وقد استطاع المشركون إيقاع خسائرجسيمة بالمدافعين عن الدِّين وموطنه الجديد، مما ترك آثارًا سيِّئةً في النفوس، فأراد اللهُ أن يُواسي جراحهم، وأن يشعروا أن القتال القادم سيكون لمصلحتهم، وأنه سيقذف الرُّعب في قلوب المعتدين عندما يُكرِّرون هجومهم.
والـمَرَّة الثَّانية عندما خان يهودُ بني النضير عهدهم، وحاولوا قتلَ النَّبيِّ ﷺ، فجرَّد عليهم حملةً ليؤدِّبهم، ولكن القوم دون قتالٍ حلَّ بهم الفزع دون قتال وقرَّروا الجلاء عن المدينة: { مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]
وأخيرًا ذكرت هذه الكلمة عندما انضمَّ يهودُ بني قُرَيظة إلى الأحزاب التي أحاطت بالمدينة تبغي دكَّها على من فيها، وأعلنت حصارًا رهيبًا عليها، وكان بنو قُرَيظة قد أعطوا العهد من قبل على أن يعيشوا مع الـمُسلِمين في سلامٍ شريف، واعترف رئيسهم أنه لم يجد من النَّبيِّ إلا خيرًا، ومع ذلك فقد انتهز الفرصة التي سنحت وأعلن الحرب الغادرة، وظنَّ أنه سيُقاسم المشركين الغنائم بعد الإجهاز على محمدٍ وصحابته.
ولكن قدر الله كان أغلب، لقد فضَّ اللهُ جموعَ المُحاصِرين قبل المنازلة، ولله الكبرياء في السموات والأرض: ﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ [الأحزاب: 26]. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الحديث الشريف وعلومه

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend