شرح حديث «مطل الغني ظلم»

شيخنا الفاضل، نودُّ منكم تفسيرًا واضحًا تُفكُّ به ألفاظ هذا الحديث الذي صحَّ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ». مُتَّفقٌ عليه(1).
وقبل ذلك شيخنا العزيز أودُّ من فضيلتكم تعريفًا للدَّائن والمدين؛ لأنني أخلط بينهما ولا أدري من هو المقرِض بكسر الراء والمقرَض بفتح الراء. وجزاكم اللهُ خيرًا.

______________

(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الحوالات» باب «الحوالة وهل يرجع في الحوالة» حديث (2287)، ومسلم في كتاب «المساقاة» باب «تحريم مطل الغني» حديث (1564).

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن معنى الحديث أن مماطلةَ المدين الذي وجب عليه الدِّين وهو قادر على الوفاء ظلمٌ لا يحلُّ، وأنت ترى أن كثيرًا من النَّاس- خاصَّة التجار- يُماطلون في بذل الحقوق الواجبة عليهم لأنهم يضنون بما لديهم من نقودٍ سائلة ويعزُّ عليهم بذلُها لأصحابها، وهذا ظلمٌ بيِّن يسخطه الله ورسوله!
وأما معنى «وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وقد ورد بلفظ «وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ»(1) فالمقصود منه أن الدَّائنَ إذا أُحيل من قِبَل مدينه إلى آخر ليبذل له حقَّه فإن عليه أن يقبل بهذه الحوالة.
وأكثر أهل العِلْم(2) على أن الأمرَ المذكور أمر استحباب، وعند أحمد للوجوب(3)، والحقُّ الظَّاهر أنه أمرُ إباحة، فهو دليل جواز نقل الدَّين شرعًا أو المطالبة، فإن بعضَ الـمُلَآء عنده من اللَّدَد في الخصومة والتَّعسير ما تكثر به الخصومة والمضارَّة، فمن علم من حاله هذا لا يطلب الشَّارع اتِّباعه، بل عدمه؛ لما فيه من تكثير الخصومات والظلم، وأما من عُلِم منه الـمَلاءة وحسن القضاء فلا شكَّ في أن اتباعَه مستحبٌّ؛ لما فيه من التَّخفيف على المديون والتَّيسير عليه، ومن لا يعلم حاله فمباح.
أما الفرق بين الدائن والمدين فهو أن الدَّائن من له الحقُّ والمدين من عليه الحقُّ، والمقرض هو الدائن الذي أعطى قرضًا، والمقترض هو المدين الذي تلقَّى هذا القرض وثبت عليه في ذمته وجوب وفائه.
زادك اللهُ حِرْصًا وتَوْفيقًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/463) حديث (9974).

(2) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (6/16-17): «(وأما) وجوب الدين على المحال عليه للمحيل قبل الحوالة؛ فليس بشرط لصحة الحوالة، حتى تصح الحوالة، سواء كان للمحيل على المحال عليه دين، أو لم يكن، وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة، والجملة فيه أن الحوالة نوعان: مطلقة، ومقيدة، فالمطلقة: أن يحيل بالدين على فلان، ولا يقيده بالدين الذي عليه، والمقيدة: أن يقيده بذلك، والحوالة بكل واحدة من النوعين جائزة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: من أحيل على مليء فليتبع من غير فصل».
وجاء في «العناية شرح الهداية» من كتب الحنفية (7/239): «قال (وهي جائزة بالديون إلخ) الحوالة جائزة بالديون دون الأعيان، أما الجواز فيدل عليه النقل والعقل. أما الأول فما روى أبو داود في السنن وقال: حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع. وقال الترمذي في جامعه بعد ما روى الحديث بإسناده إلى أبي هريرة: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، ومعناه: إذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل. أمر بالاتباع والاتباع بسبب ليس بمشروع ولا يكون مأمورا به من الشارع فدل على جوازها».
وجاء في «شرح ميارة» من كتب المالكية (1/329-331): «وفي التلقين الحوالة: تحويل الحق من ذمة إلى ذمة تبرأ به الأولى. (التوضيح) قال عياض وغيره: هي مأخوذة من التحول من شيء إلى شيء؛ لأن الطالب تحول من طلبه لغريمه إلى غريم غريمه، وهي محمولة على الندب عند أكثر شيوخه، وحملها بعضهم على الإباحة لما أشبهت بيع الدين. ا هـ».
وجاء في «مغني المحتاج» من كتب الشافعية (3/189-190): «ويسن قبولها-أي الحوالة- على مليء لهذا الحديث، وصرفه عن الوجوب القياس على سائر المعاوضات».

(3) جاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (3/383-387): «(ولا) يعتبر أيضا (رضا المحتال إن كان المحال عليه مليئا فيجب) على من أحيل على مليء (أن يحتال) لظاهر قوله: إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع. (فإن امتنع) المحتال (أجبر على قبولها) أي: الحوالة للخبر».
وجاء في «كشاف القناع» من كتب الحنابلة (3/383): «وتلزم بمجرد العقد (فلا يملك المحتال على المليء) الرجوع على المحيل بحال؛ لأن الحق انتقل فلا يعود بعد انتقاله هذا إذا اجتمعت شروطها».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الحديث الشريف وعلومه

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend