امتناع ذهاب المستفتي إلى المفتي فيما لا يصلح بوسائل أخرى

أجبني بالله عليك يا شيخ، أنتظر ردَّك، أغثني، أرشدني يا شيخي الفاضل بارك اللهُ فيك، فلم يبقَ لي سواكم لترشدوني، وأنا متأكدة أن الله سيجعل لي مخرجًا؛ لأنني أخشى غضبه.
أنا مُتزوِّجة منذ سبع سنوات، وأصدر عليَّ زوجي الطَّلاق في عدَّة مواقف: أوَّل مرة بعد زواجنا بسنة في السيارة، حيث كان يَسُبُّ ويشتم وفجأة أردت النُّزول من السَّيَّارة في أثناء سيرها فانفعل وصرخ وقال: أنتِ طالق. وشدَّني للداخل، وعندها طلبت منه إعادتي مباشرة إلى بيت أهلي، فقال لي: نعم. ثم تراجعتُ وعُدْت معه إلى البيت، وحينها لم نكن نعلم بأحكام الطَّلاق وأحوال الغضب، وقلت له ألا يُعيدها مَرَّة أخرى أبدًا ومهما حصل.
المرة الثَّانية: بعد سنة من الزَّواج وكنا في بلاد الخليج مغتربين، وكانت مشكلة على ما أذكر قوية، كان يصرخ وأتذكر أنه ضربني، المهم أنه تلفَّظ بالطَّلاق بهذه العصبية، وبعدها حاول إرضائي فلم أرضَ، فزاد غضبُه واستمرَّ في الغضب والصراخ إلى أن تلفَّظ بالطَّلاق مَرَّة أخرى، أي أنه تلفَّظ مَرَّتين في نفس المشكلة والبيت، وأظن أنه وقت غضبه قصد الاثنتين، ولكن وبعد أن انتهت الـمُشكِلة ندم ندمًا شديدًا جدًّا وتذكَّر لفظه الأول في السنة الأولى، ولكن تذكَّرنا ما علمناه من أن الطَّلاق في نفس المجلس يُعتبر واحدة.
المرة الثالثة: وهي المرة الوحيدة التي طلبتُ أنا منه فيها الطَّلاق، فما أن تلفَّظ بكلمة «أنت» فصرختُ لكي أسكته، وهو يقول إنه لم يُكمل لفظ الطَّلاق، حيث قال فقط: «أنتِ طال» من دون نُطق حرف القاف، وهو مُتعمِّدٌ؛ كي لا أطلب منه الطَّلاق ثانيةً.
وقد استفتينا عن طريق الإنترنت والهاتف وتأكدنا أنه لا يقع، وبعد ذلك عرفتُ أنه يجب الاستفتاء فاتَّصلت بدار الإفتاء بقطر وقال لي المفتي: إنه يجب على زوجي الذَّهاب لدائرة الإفتاء. فقلت له: إن زوجي رافضٌ. فتحدَّث المفتي معه عبر الهاتف أمامي وشرح لزوجي مواطن الغضب، وقال لزوجي: أنت أعلم النَّاس بنفسك.
ثم ذهبتُ وحدي لدكتور فقه في الجامعة الأردنيَّة وقال لي: إن الغضب الذي لا يقع معه الطَّلاق فقط إذا حاولت تذكيره بالطَّلاق لا يتذكَّر بعد انتهاء الـمُشكِلة. وقال: ما وقع طلقتان فقط، حيث الطَّلاق الـمُكرَّر في نفس الحدث هو واحدة.
وهنا اطمأنَّ قلبي وبقيت حتى الآن، وفجأة بدأت أتذكَّر ما حصل وأتذكر كلَّ ألفاظ الطَّلاق الكنائي والـمُعلَّق التي تلفَّظ بها زوجي، وفكري يروح ويأتي لأتذكَّر حادثة أخرى بعد زواجي بأربع سنوات، وكان لي اثنا عشر يومًا منجبة ابنتي، أي أنني في أغلب الظَّن كنت نُفَساء، المهم أنه كان قد منعني من الذَّهاب لأمي، ويومها ذهبتُ، وعندما عُدْتُ للمنزل تكلَّم معي بالهاتف وطلب مني أن أحلف على أنني لم أذهب، ومن شدَّة خوفي حلفتُ كذبًا على أنني لم أذهب، اللَّهُمَّ اغفر لي، وعندها قال لي- ولا أذكر اللَّفظ تمامًا هل قال: إذا كُنتِ قد ذهبت تكونين طالقًا- وهنا يقع الطَّلاق- أم قال: إذا كُنتِ قد ذهبت لا يكون إلا طلاقك، أم قال: عليَّ الطَّلاق إذا كُنتِ قد ذهبت لن تبقَيْ على ذِمَّتي. وفي اللَّفظين الأخيرَين الطلاق يتبع نيَّته، فإما أن يكون طلاقًا، أو يمينًا إذا قصد التَّخويف.
وسألت زوجي وتناقشنا، فقال لي كلَّ ما يذكره أنه أراد التخويف، وأنه كان يقصد أنه إذا علم بذهابي عند أهلي، المهم أنني لا أعلم هل يؤاخذ ربُّنا باللَّفْظ أم القصد، أي أنه لو تلفَّظ باللَّفْظ الذي يغلب فيه ظني أنه تلفَّظ به قائلًا: «إذا كنتِ قد ذهبت تكونين طالقًا» يُحاسبه اللهُ بلفظه ويكون طلاقًا؛ لأنه مُعلَّقٌ على ماضٍ، أم يُحاسبه بقصده وهو العلم بذهابي وهنا يكون يمينًا؛ لأن معرفتَه بالذَّهاب فعلٌ مستقبليٌّ. وعندها طلبت من زوجي الذَّهابَ للمفتي مَرَّةً أخرى، وبدأت تعود المشاكل إلى أن تحدَّث بالهاتف مع مفتٍ بالأردن وشرح له حالته عندما يغضب بشكلٍ عامٍّ أنه يُصبح مثل السَّكْران ويفقد التَّمْييز ولا يتمالك نفسه ليحكم له المفتي بعدم وقوع الطَّلاق، ولكن ما أزعجني أن المفتي لم يسأله عن واقعة الطَّلاق بالذات، وإنما شرح له زوجي حالة غضبه وعصبيَّته بشكلٍ عامٍّ، فذهبتُ أنا شخصيًّا للإفتاء وقال لي المفتي: إنه بالنسبة لي ما زلت زوجة، ولو فرضنا وقوع طلاقٍ في السنة الأولى يكون طلاقًا أوَّل، وفي السنة الثَّانيه طلاقًا ثانيًا؛ لأن طلقتين في نفس المجلس تُعتبران واحدة، وقال: لا يُفيدنا غلبة الظَّنِّ أبدًا، ولا يُحسب طلاقًا. إلا أنه ما حيَّرني أنه في أثناء حديثه معي قال: نُريد أن نعرف نيَّته في الحالة الثَّانية، هل أراد طلاقًا واحدًا أم اثنين، أي أراد التَّأكيد أم التَّكرار. فكيف ذلك وأنا لا أعرف نيَّة زوجي، وفي نفس الوقت يقول: أنت ما زلت زوجة؟! المهم أنني سألت زوجي عن قصده فقال: إنه لا يذكر قصده تمامًا، إلا أنه قال أنه كان شديد الغضب.
أنا في حيرة، أحيانًا أُصدِّقه وأحيانًا أكذبه، ماذا أفعل؟ أبقى معه أم أخشى أن أظلمه وأخرب بيتي وأظلم أولادي؟ فهو يرفض الذَّهاب للإفتاء بحجة العيب والخجل، ويقول: إن استفتاءَ الهاتف كافٍ، وأنا أخشى أن يكون كاذبًا وفي نفس الوقت أخشى أن أظلمه.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فهذه التَّفاصيل الكثيرة لا يصلح معها استفتاءٌ عبر الهاتف أو النت، بل لابد أن تُقنعي الزَّوج بضرورة جلوسكما بين يدي المفتي لبسط الأمر كلِّه دقِّه وجُلِّه، حتى تكونَ فتواه على بصيرةٍ، والمفتي سيسأل زوجَك أسئلة كثيرةً حول كلِّ طلقة من هذه الطلقات، وعما إذا كان الطَّلاق سُنِّيًّا أم بدعيًّا، أي هل وقع الطَّلاق في طهرٍ لم يمسسك فيه فيكون سُنِّيًّا، أم وقع في حيضٍ أو في طهرٍ مَسَّكِ فيه فيكون بدعيًّا، وسيسأله مَرَّةً أخرى عن مدى الغضب الذي سيطر عليه عندما باشر هذه الطَّلَقات، وعن جميع الملابسات التي احتفت بها.
المهم أؤكِّد على ضرورة جلوسكما بين يدي المفتي لتكون الأمور على بصيرة.
وأسأل اللهَ أن يشرح صدره ويُوافقك على الذَّهاب، ومن حقِّك أن تُصرِّي على ذلك، فهو مطلبٌ عادل لتأمين آخرتكما، يُمكنك الاستعانة ببعض أهل العلم في ذلك، أو الاستعانة ببعض ذوي القربى، سواءٌ من جانبه أو من جانبك لإقناعه بالعدول عن الامتناع عن الذَّهاب إلى المفتي.
واللهَ نسأل أن يُلهمه رشده، وأن يقيه شرَّ نفسه. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   04 أصول الفقه وقواعده

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend