يتردد كثيرًا قديمًا وحديثًا على ألسِنَةِ بعض العلماء والمشايخ ما يلي: قد حصر الله العلم في المذاهب الأربعة فقط، على أنهم قد دُوِّنَ عنهم العلم من ألفه إلى يائه، أما غيرهم فلم يكملوا المسيرة كاملة بجميع فروعها وأصولها، ولم يكتب لهم النجاح في هذا المضمار، فمن اتبع مذهبًا غير الأربعة فهو ضال، وأن الإمام أبو حنيفة : كان يجلس في مجلسه أربعين عالمًا فلا يقول مسألة إلا بإقرارهم، فكيف يقال: إن بضاعته في الحديث قليلة؟! وهو أقرب المذاهب إلى الصحابة، بل هو تابعي؛ فقد رأى تسعة عشر صحابيًّا، أما قوله: «فاضربوا بكلامي عرض الحائط» فإنما كان على سبيل التحدي، أي أنكم لن تجدوا ما تضربون به عرض الحائط، أو إنه على سبيل التواضع، فلابد من اتباع مذهب معين. انتهى. فما رأيكم في مثل هذا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أما مكانة الأئمة الأربعة وعلو كعبهم في علوم الشريعة، فهو من المسلمات البدهيات لا يجادل في ذلك إلا مكابر! أما حصر العلم فيهم والقول بأن اتباع غيرهم ضلالة- فهو شذوذ من القول وخروج عن الجادة؛ فقد كان العلم قبل أن يوجد هؤلاء الأئمة الكبار، وقد فتح الله على كثيرين من بعدهم، ولا حرج على فضل الله عز و جل ، وكلُّ الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ، وإذا صحَّ الحديث الذي لا مُعارض له فلا يجوز أن يقدم عليه قول أحد من الناس كائنًا من كان، ثم يعتذر لهؤلاء الكبار إن أثر عنهم شيء مخالف للدليل الصحيح بعدم وصوله إليه، أو وصوله إليهم من طريق ضعيف لا تثبت به الحجة، أو أنهم تأولوه، أو اعتقدوا نسخه. ونسأل الله الهدى والتوفيق للجميع. والله تعالى أعلى وأعلم.