صلة بنت العم

إن كانت بنت العم من الرحم، فهل يجوز لابن عمي أن يزورني في بيتي؟ علمًا بأنه كان يُريد الزَّواج بي سابقًا، وحدث أنه حاول زيارتي يوم العيد فغضب زوجي جدًّا فقام أخي بمَنْعه من القدوم لزيارتي، وفي المقابل في نفس اليوم قام زوجي بزيارة ابنة عمه التي كانت خطيبته سابقًا، كيف لهذه الصِّلة أن تكونَ وسيلةَ ترابطٍ للأسرة إذا كانت تُثير المشاكل في أسرة مطمئنة، والله لا أعتقد أبدًا أن ديننا الحنيف يأمرنا بذلك على حساب أسرة تعيش بسلام وطاعة الله، ولا أقدر أن أمنع الغيرة سواء من قلب زوجي أو من قلبي، حتى إن السيدة عائشة كانت تغار من السيدة خديجة وهي متوفاة، ولو حاول زوجي كَبْت مشاعره وحاولت كبت مشاعري أنا متأكدة أن الوساوس قد تزيد الأمور تعقيدًا وأخشى أن يصل الأمر إلى حد هدم بيت الزَّوجيَّة؛ لأن زوجي قال ذلك بصراحة: لو جاء ابن عمك لذبحته، وإن دافعتِ عنه سأرجعك لبيت أهلك. وأنا أردت البقاءَ مع زوجي؛ ولذلك قام أخي بتهديد ابن عمي ومَنْعه من زيارتي، ومقابل ذلك جاءت بنت عم زوجي لزيارته على أساس صلة الرَّحِم وأخذت ترمي بالنظرات والكلمات يمينًا وشمالًا ولم أستطع إلا أن أكتم غضبي، ولما صارحتُ زوجي بمشاعري قال لي: اسألي الشيخ عن هذه المسألة ليجد لنا حلًّا.
والله يا شيخ هنالك أناس يستغلُّون صلة الرَّحِم لعمل المشاكل، فماذا نفعل؟ صلة الرَّحِم وُجدت لتكون هنالك المودَّة والتَّراحم، لكن في مثل وضعنا فإنها تجلب لنا المشاكل، لدرجة أننا صرنا نكره الرُّجوع للوطن في الإجازات.
السُّؤال مَرَّة أخرى: هل صلة بنت العم واجبة في ظروفنا تلك التي سردناها؟ وهل هذه الرَّحِم ستُلقي زوجي في النَّار يوم القيامة؟ وهل مَنْع زوجي زيارةَ ابن عمي لي حرام إن كان ذلك صحيحًا؟ فأين العدالة؟! الرَّحِم التي ستُلقي زوجي في النَّار تقوم بإثارة الفِتْنة في أسرتي وواصل الرَّحِم الذي من المفروض أن يَصِلَني أيضًا يُثير الفِتْنة في أسرتي فما الحلُّ؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الحلَّ في مثل ذلك يكمن في أن يأتمر الزَّوجان بينهم بمعروفٍ، وأن يتجرَّد كلٌّ منهما للحقِّ، وأن يُنصف من نفسه، وأن يأتي إلى النَّاس ما يُحب أن يأتي النَّاسُ إليه، وأن يذكر كلٌّ منهما قولَ الله ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *  الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *  وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ *  أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ *  لِيَوْمٍ عَظِيمٍ *  يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾} [المطففين: 1 – 6].
ولا أظنُّ أن الصِّلة الـمُجرَّدة للرحم هي سبب هذه الإشكالات؛ لأن الرَّحِم يُمكن أن توصل بالمعروف، وفي غير خلوة ولا رِيبة، ولا خضوعٍ بالقول، وأحسب أن هذا القدرَ لا يُثير رِيبة ولا غَيرة، وإِنَّمَا الرِّيبة تكون فيما وراء ذلك من التبسُّط في الحديث وإِلانة القول ومسارقة النَّظَر ونحوه، مما لا علاقة له بالصِّلة الـمُجرَّدة للرحم، حتى لا نُحمِّل قيمةً شرعيَّة جميلة أوزار تجاوزاتنا واختياننا لأنفسنا.
فمرةً أخرى نقول لكم: اتَّقوا اللهَ وأصلحوا ذاتَ بينِكم، واستلهموا اللهَ الرشد، وائتمروا بينكم بمعروفٍ، وما اشتور قومٌ في أمرٍ قطُّ إلا هُدُوا إلى أرشد أمرهم.
وأسأل اللهَ أن يُجنِّبَكم الفتنَ، ما ظهر منها وما بطن، وأن يصرف عنكم كيد الشَّيطان. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend