زنى المحصنة عند غياب زوجها

أنا امرأة مُتزوِّجة وقعت في معصية وكبيرة من الكبائر، وهي الزنى، ووقعتُ في ذلك في غياب زوجي، والله أعلم أني ما كنت أفعلها في وجوده أبدًا.
ظروفي النَّفسيَّة والعائليَّة جرَّتني إلى ذلك، زوجي يكبرني بـ 18 سنةً، وعندي ثلاثة أطفال أربيهم أحسن تربية حتى توجيههم الدِّيني، ومنحني اللهُ جمالًا طبيعيًّا اغتررتُ به نوعًا ما، لكن المشكلة كلها في زوجي؛ لأنه تركني وسافر رغم رفضي الشَّديد للفكرة، مع أني متحصِّلة أنا وأولادي على البطاقة الخضراء للسفر إلى أمريكا، مثلنا مثله، وهو الآن مقيم هناك ولم يُرِدْ أن نذهب معه لأسباب حلَّلها بنفسه، وأنا في وجود كلِّ هذا الفراغ واليأس وجدتُ نفسي أجدِّد علاقة قديمة مع رجل آخر، وقد وصلنا إلى ما لا تُحمد عقباه.
وأنا الآن أشعر أن حياتي تعقَّدت ولا أدري ماذا أفعل، التَّوبة أكيد، لكني حاولت دائمًا أن أبتعد عنه لأنني أعرف في قرارة نفسي أني أرتكب معصية في حقِّ الله وفي حقِّ زوجي، لكني متعلِّقة به لأقصى الحدود، وقد قال أنه يمكنه الزَّواج بي إذا انفصلت عن زوجي.
وأنا الآن لا يَهمُّني شيءٌ أكثر من أولادي؛ لأنني عشتُ تجربة الانفصال وقد أمضيت طفولة حزينة وغير مستقرة على الإطلاق.
أما زوجي فهو يُصِرُّ على هذا البعد رغم أنني توسَّلت له أن نبقى معًا حتى إنني هدَّدته بالانفصال لكنه لم يكترث.
وأنا أرجوكم الآن أن تُفيدوني فيما أنا فيه، هل خرجتُ من رحمة الله؟ وهل تُقبل توبتي؟ وهل يجب الحدُّ في حقِّي حتى تُقبل التَّوبة؟
وعن زوجي هل يُمكنني مواصلة حياتي معه كما لو أن شيئًا لم يحدث، أم أطلب الانفصال والابتعاد عنه؟ أريد إجابة محددة لكل سؤال أرجوكم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ذكرنا لك من قبل أن الزنى من الكبائر الموبقة، ويزداد فحشًا إذا وقع من امرأة مُتزوِّجة، و الزنى لا يجتمع مع الإيمان، فـ«لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(1)، ولقد أُري النَّبيُّ ﷺ عذابَ الزُّناة في الآخرة فوجدهم يُحشرون عُراةً في تَنُّورٍ أعلاه ضيِّق وأسفله واسع(2).
فالأمر جِدُّ خطير، وما ذكرتِ قد يفسر الواقعة ولكنه لا يُسوِّغها بحال من الأحوال، لا مخرج من هذه الفتنة إلا بالتَّوبة العاجلة الصادقة النَّصوح، ومن تمام توبتك أن تُفارقي أرض المعصية، إن بقاءك في هذا الواقع يُزيِّن لك أمر الفاحشة ويغريك بالبقاء عليها، وهذا هو الانتحار بعينه.
ولا يشترط إقامة الحد لصحة التوبة، بل مَن ألمَّ بشيء من هذه القاذورات فأقيم عليه الحدُّ عند وجود السلطان الذي تُناط به الحدود فهو كفارة له، ومن ستره الله فأمرُه إلى الله عز و جل  إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
أرى أن تُعاودي التَّوسُّل إلى زوجك أن يستقدمكم للعيش بجواره، ولا تذكري له شيئًا مما كان، بل اكتمي خبر هذه الفاجعة، فإن القاعدة فيمن ألمَّ بشيء من هذه القاذورات أن يستتر بستر الله عليه(3)، فإن النَّاس يُعيِّرون ولا يُغيِّرون، وإن الله يُغيِّر ولا يُعيِّر(4)، فإن شرح الله صدره لهذا فابدئي معه حياةً نظيفة، وأكثري من فعل الخيرات والتبتل إلى الله في الخلوات، واغسلي بمدامع التَّوبة آثار هذه الخطايا، ولا تقنطي من رحمة الله في نهاية المطاف فإن الله يقبل التَّوبة عن عباده ويعفو عن السَّيِّئات.
تعاظَمني ذَنْبي فلما قرنته
بعفوك ربِّي كان عفوُك أعظمَا

فإن أبى زوجك عليك ذلك فأمامك طلب الانفصال بالطَّلاق، وساعتها وبعد انقضاء العدة يمكنك الارتباط بمن تشائين من الأزواج. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) متفق عليه.

(2) جزء من حديث رؤيا النبي ﷺ الطويل؛ أخرجه البخاري في كتاب «التعبير» باب «تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح» حديث (7047) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه .

(3) فقد أخرج مالك في «موطئه» (2/825) حديث (1508) مرسلًا عن زيد بن أسلم، أن النبي ﷺ قال: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ الله، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ الله فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله».

وأخرجه الحاكم في «مستدركه» (4/272) حديث (7615)، والبيهقي في «الكبرى» (8/330) حديث (17379)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه  بلفظ: «اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها فمن ألم فليستتر بستر الله عز و جل »، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/303- 304) وقال: «أسنده الحاكم والبيهقي من رواية ابن عمر بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم».

(4) أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/953) موقوفا على عائشة.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend