أفيدوني أرجوكم. أنا الابنة الكبرى في عائلتي، عمري ثمان وعشرون سنة، لي أخت أصغر عمرها ست وعشرون سنة، مخطوبة، ثم أخ أصغر عمره اثنتان وعشرون سنة أعزب.
أنا متزوجة منذ ثلاث سنوات، ولي طفلة وزوج صالح والحمد لله، مشكلتي أني أشعر بالغيرة في بعض الأحيان من أختي وأخي، مع الوضع في الاعتبار أني والله أحبهم جدًّا جدًّا، وأتمنى رؤيتهم أفضل الناس في الدنيا.
أشعر بالغيرة مثلًا إذا أعطى أبي لأخي أو أختي مبلغًا من المال لشراء مستلزماتهم من الملبس والخروج مع الأصحاب متجاهلًا وجودي على أساس أني أصبحت مسئولة من زوجي ماديًّا، أو يُعطيني مبلغًا صغيرًا جدًّا بالنسبة لما يأخذوه كل مدة طويلة، مع العلم أني تركت العمل منذ سنتين لأربي ابنتي.
أخي وأختي يعملان ويتقاضيان مرتبات جيدة، بصراحة أنا أشعر بالغيرة، وأنا أعلم جيدًا أني مسئولة من زوجي ماديًّا، ولكن دخل البيت متوسط، أي يكفينا للمعيشة من مأكل ومسكن ومصاريف ابنتي، فلا أجد فائضًا كافيًا لأشتري ما يلزمني كمصروف شخصي، مثل شراء ملابس وهكذا، فأبي ملزمٌ بهم من حيث المأكل والمسكن مثلما أنا ملزمة من زوجي في هذا، ولكن ما زاد عن ذلك من ملبس ورفاهيات زوجي لا يستطيع، ولكن أبي يقصر هذا الجزء على إخوتي.
فهنا أشعر بالغيرة لأني أتمنى أن أنعم بما ينعم به إخوتي تحت مظلة أبي. فماذا أفعل؟ هل أتحدَّث مع أمي وأحاول أن أوضح لها إحساسي بالتفرقة والغيرة لتجاهلهم لي واقتصار إنفاقهم على أخي وأختي، مع العلم أنهم يعملون وأنا لا أعمل، ولكني أخاف أن يفسروا هذا بأني جشعة وطماعة وأن يدخل الشيطان بيننا، فهل أترك الغيرة تأكلني حتى لا تتزعزع مشاعرنا تُجاه بعض؟ أفيدوني أرجوكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا حرج أن تتحدثي مع أمك برفق فيما تشعرين، ولكن ينبغي مع ذلك أو قبله أن تُعوِّدي نفسك القناعة بما قسم الله لك، وألا تتطلعي إلى ما متَّع الله به آخرين، فقد قال ربُّك جلَّ وعلا: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: 131].
وأن تنظري دائمًا إلى من هو دونك في الدنيا لكي لا تزدري وتتنقصي نعمة الله عليك، وإلى من هو فوقك في الدين لكي لا تغتري بما تؤدِّينه من عبادة، وأن تعلمي أن الدنيا بأكملها لا تساوي عند ربِّك جناح بعوضة، ولو كانت تساوي ذلك ما سقى الكافر منها جرعة ماء(1)، وأن ركعتين في جوف الليل خيرٌ من الدنيا وما فيها(2)، وأن تستغرقي أوقاتك في شكر ما غمرك الله به من نعم وفيرة كالصحة والزوج والولد، وقبل ذلك نعمة الإيمان بالله ورسوله بدلًا من امتداد العين إلى ما في أيدي الآخرين.
وأسأل الله أن يملأ قلبك عفافًا وغنًى وتقًى وهدًى. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) أخرج الترمذي في كتاب «الزهد» باب «ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل» حديث (2320) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ»، وقال الترمذي: «حديث صحيح».
(2) أخرجه مسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما» حديث (725) من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا وَمَا فِيهَا».