الرقية من لبس الجن

هل هذه الرُّقْية جائزة؟
نقل أحد الذين يقومون بالرقية رُقيةً مفادها أن يكونَ المريض بعيدًا عن الضوضاء حتى يستطيعَ أن يقرأَ هذه النَّصيحة للجِنِّيِّ الـمُتلبِّس بجسده بأن يقرأها من غير أن يُحرِّك شفتيه أو لسانه، يقرؤها في نفسه، ويقصد بحديثه مَن سكن جسده أن يقول:
(يا أيُّها الجن، يا أيُّها الجن، يا أيُّها الجن، لقد ذكركم اللهُ في القرآن، فمنكم الصَّالح المؤمن ومنكم دون ذلك طرائق قددًا. يا أيُّها الجن، لماذا هذا الظُّلْم؟ ماذا صنعتُ بكم حتى ألقى منكم هذا العذاب الشَّديد؟ يا أيُّها الجن، إن اللهَ تعالى قد أدخل امرأةً النَّار بسبب هِرَّة قتلتها(1)، ودخلت امرأةٌ باغيةٌ الجَنَّةَ بسبب أنها سقت كلبًا(2)، حتى الظُّلْم مع الحيوان مُحرَّم ويَجُرُّ صاحبَه إلى النَّار، فما بالكم إذا ظلمتم إنسيًّا أو جِنِّيًّا؟!
يا أيُّها الجن، نحن إخوانكم من الإنس وأنتم إخواننا من الجنِّ، جميعنا مُكلَّفون، وسوف يُحاسبنا الله تعالى يوم القيامة. يا أيُّها الجن! لقد نهانا نبيُّنا ﷺ أن نستجمر بالعظم لأنه طعامُكم(3)، هكذا مكانتكم عندنا. يا أيُّها الجن، لقد نهانا نبيُّنا ﷺ أن نستجمر بالرَّوث لأنه طعام دوابِّكم(4)، حتى دوابكم لها مكانةٌ عندنا!
يا أيُّها الجن، لم نظلمكم فلماذا تظلموننا؟ يا أيُّها الجن، لم نُؤذكم فلما تُؤذوننا؟ يا أيُّها الجن، أتُريدون أن تقتلونا؟ أتُريدون أن تقتلونا؟ أتُريدون أن تقتلونا؟ يا أيُّها الجن، أتُريدون أن تُفرِّقوا بيننا وبين أهلينا؟ يا أيُّها الجن، أتُريدون أن تُمرضونا؟
يا أيُّها الجن، هل هذا سحر الانتقام؟ يا أيُّها الجن، هل هذا سحر التَّفْرقة؟ يا أيُّها الجن، هل هذا سحر المرض؟ يا أيُّها الجن، هل هذا سحر القتل؟ يا أيُّها الجن، هل كتب السَّاحر في الطِّلَّسم أسماءنا وأسماء أُمَّهاتنا؟ يا أيُّها الجن، هل كتب السَّاحر في الطِّلَّسم كلمة قتل؟ يا أيُّها الجن، هل كتب السَّاحر في الطلسم فرقا بينهم؟
يا أيُّها الجن، لماذا تسكنون أجسادنا، بطوننا، أمعاءنا؟ هل تحرسون السِّحر؟ تقومون على الحراسة طوال اللَّيل والنَّهار، فهل قمتم يومًا لله رب العالمين؟ يا أيُّها الجن، لماذا تسكنون عظامنا؛ لتصدُّونا عن الصَّلاة والرُّكوع والسُّجود لله تعالى؟ يا أيُّها الجن، لماذا سكنتم رءوسَنا؟ لتُشوِّشوا علينا أفكارَنا وتركيزنا؟
يا أيُّها الجن، اتَّقوا اللهَ في أنفسكم، ولا تُلقوا بأنفسكم في النَّار بسبب ظلمكم لنا. يا أيُّها الجن، أنتم لا ترضون أن يظلمكم أحدٌ، ولا أن يقومَ أحدٌ بظلم أولادكم وزوجاتكم ووالديكم، فلماذا ترضونه لنا؟ فنحن مع هذا الشَّقاء والعذاب الذي نلقاه منكم ما زلنا نعطف عليكم ونُريد لكم الخيرَ كلَّ الخير، نُريد لكم النَّجاة من النَّار، نُريد أن يُبدِّلَ اللهُ  سيِّئاتِكم حسناتٍ إن خرجتم من أجسادنا طاعةً لله.
يا أيُّها الجن، ها نحن قد عَفَونا عنكم عما بدر منكم فاخرجوا من أجسادنا رغبةً فيما عند الله من النَّعيم، من الجَنَّة والفردوس الأعلى، ما أجملَ أن يكونَ لكم القرار الأخير، ويكون هذا القرار طاعةً لله وخوفًا منه وليس خوفًا من ساحرٍ أو كاهنٍ.
هل رأيتم كيف هو التَّرابط بيننا وبينكم، كلُّنا عبادُ الله نرجو لكم الخيرَ كما نرجوه لأنفسنا. أسأل اللهَ أن يقذف في قلوبكم الإيمانَ ويُحبِّب لكم الخروجَ ويحفظكم من كيد السَّحَرة وشياطين الجن.
يا أيُّها الجن، بادروا بالتَّوْبة والإنابة إلى الله، فلا أحد يدري متى يأتيه هادم اللَّذَّات، ولا يعرف متى يموت. يا أيُّها الجن، أليس لكم قدرات تفوق قدراتنا؟ الآن اجمعوا قوَّتكم، واعزموا على التَّوْبة والخروج، واسألوا اللهَ أن يُيسِّر لكم ذلك، واسألوا اللهَ أن يُثبِّتكم على حبِّ الله وطاعته والخوف منه.
يا أيُّها الجن، اذهبوا إلى أهلكم وأبنائكم، اذهبوا إلى زوجاتكم وعشيرتكم، فالله  خلقكم طلقاءَ أحرارًا ولم يجعلكم عبيدًا للسَّحَرة، فالسَّحَرة قد خدعوكم، ومن منا لا يُخطئ ومن منا لا يَزِلُّ، لكن يجب أن نكون رجَّاعين عن الخطأ حتى نكون من عباد الله الصَّالحين.
يا أيُّها الجن، ارحلوا عن أجسادنا، بسم الله، توكَّلوا على الله، الآن اخرجوا، لا تُسوِّفوا ولا تُؤجِّلوا، هيا اخرجوا طاعةً لله وليس للمخلوق، هيا اخرجوا إلى سعة الدُّنْيا، هيا اخرجوا).

________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المساقاة» باب «فضل سقي الماء» حديث (2365)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان» حديث (2242)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «أحاديث الأنبياء» باب «حديث الغار» حديث (3467)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها» حديث (2245)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3) أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «ذكر الجن» حديث (3860) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

( 4) أخرجه مسلم في كتاب «الصلاة» باب «الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن» حديث (450) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الجنَّ مُكلَّفون كالإنس، يُؤمرون بالمعروف ويُنهون عن المنكر، ويُخوفون بالله عز و جل ، ولا يظهر لنا في هذه الرُّقْية حرجٌ، فهي لا تعدو أن تكونَ نصيحةً للجنِّ وأمرًا لهم بالمعروف ونهيًا لهم عن المنكر. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend