شيخنا الحبيب، أُصبت بانزلاقين غضروفيين في العمود الفقرى، مما استوجب إجرائي لعمليَّة جراحيَّة بالعمود الفقري مما سيؤدِّي إلى تركي للعمل نظرًا لحالتي الطبيَّة.
وطبقًا لقوانين العمل فأنا أستحقُّ تعويضًا ماليًّا إذا كان هذا بسبب العمل، ولكن هذا سيتطلَّب مني إثبات وقوع حادثة ما بالعمل، ماذا أفعل؟ وخاصة أنني في حَيْرة: هل مرضي له علاقة بالعمل أم لا؟ وهل أمضي في إثبات تلك الحادثة الوهميَّة لإثبات حقَّي؟ علمًا بأن مرضي تراكميٌّ نتيجةً لنشاطات الحياة، ولكن طبيعة عملي زادت من المرض، ولكن قوانين العمل تستلزم إثباتَ حادثة ما ولا تعترف بتراكمات العمل.
أفتوني: هل أمضي قدمًا في إثبات الحادثة؟ وإذا تم هذا فما هو موقف حِلِّ مال التَّعويض؟ وإذا كان لا يجوز اختلاق تلك الحادثة فإنني بالضَّرورة سأخسر التَّعويض، علمًا بأن طبيعة العمل أثَّرت على حالتي الطبِّيَّة بالضَّرورة، فهل الأحوط لي عدم الرعي حول الحمى، أم أنني بهذا أهدر حقِّي وحقَّ أولادى؟ وفَّقكم الله ونفع بكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إن الأمرَ أيها الحبيب كما ذكرتَ، لا تَحُمْ حول الحِمَى، فإن الراعي حول الحمى يُوشك أن يواقعه(1). واعلم أن ربَّك شكورٌ، فمن ترك شيئًا لله أبدله اللهُ خيرًا منه.
وأنت تعلم أن القوم لا يعترفون كما ذكرت بتراكمات العمل، وإنما يطلبون إثبات حادثةٍ عافاك الله منها، فلم توجد في حياتك، فأنَّى لك بإثباتها؟! وأين أنت من شهادة الزُّور التي تعدل الإشراك بالله(2)؟! اثْبَتْ وستجد من فيوضات الرَّحمة والتَّوفيق والبركة ما لم يكن يخطر لك على بال. زادك الله ورعًا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) متفق عليه.
(2) ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود في كتاب «الأقضية» باب «في شهادة الزور» حديث (3599)، والترمذي في كتاب «الشهادات» باب «ما جاء في شهادة الزور» حديث (2300)، وابن ماجه في كتاب «الأحكام» باب «شهادة الزور» حديث (2372)، من حديث خريم بن فاتك الأسدي رضي الله عنه قال: صَلَّى رسول الله ﷺ صلاةَ الصبح، فلما انصرف قام قائمًا فقال: «عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بِالله ثَلَاثَ مِرَارٍ». ثم قرأ:﴿{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} ﴾[الحج: 31]، وقال الترمذي: «هذا عندي أصح وخريم بن فاتك له صحبة وقد روى عن النبي ﷺ أحاديث وهو مشهور».
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (9/109) حديث (8569) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/200- 201) وقال: «إسناده حسن».
وفي الحديث المتفق عليه الذي أخرجه البخاري في كتاب «الشهادات» باب «ما قيل في شهادة الزور» حديث (2654)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان الكبائر وأكبرها» حديث (87) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟!» ثلاثًا. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «الْإِشْرَاكُ بِالله، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وجلس وكان متكئًا فقال: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ». قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.