تجهيز الميت في تابوت

عندما يتوفى اللهُ المسلمَ في هذه البلاد، يعمد أهله إلى وضعه بعد غسله وتكفينه في صندوق مصنع من الخشب وبعض المواد الأخرى، على غرار ما يفعله أهل الكتاب، وقد يكلف هذا الصندوق بضعة آلاف الدولارات، علمًا بأن قانون الولاية لا يشترط ذلك. فما هو حكم الشرع في تجهيز الميت في التابوت؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
تجهيز الميت في التابوت على النحو الذي يجري عليه العمل لدى غير المسلمين ينطوي على جملة من المفاسد منها:
أنه تشبه بغير المسلمين، وقد نهينا عن ذلك، فعن ابن عمر ب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، ثم يكون الحكم في هذا المتشبه بحسب القدر الذي شابههم فيه، فإن كان كفرًا أو معصية أو شعارًا لها كان حكمه كذلك.
ومن يستقرئ نصوص الشريعة المطهرة يدرك أن المخالفة للكافرين أمر مقصود للشارع:
فقد أمرنا بتغيير الشيب مخالفة لليهود.
وأمرنا بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب مخالفة للمشركين والمجوس.
ونهينا عن حلق القفا مخالفة للمجوس.
ونهينا عن ترك الصلاة في النعال مخالفة لليهود.
وأمرنا بالسحور وتعجيل الفطر مخالفة لأهل الكتاب.
وأمرنا بمؤاكلة الحائض والاجتماع بها في البيوت مخالفة لليهود.
وندبنا إلى اللحد في القبر، فهو الذي تكلفه الصحابة لشهداء أحد مع ما كانوا فيه من الجهد والمشقة؛ فقد روى البخاري أن النبي كان يجمع بين رجلين من قتلى أُحد ثم يقول: «أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟»، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد.
وعللت الفضيلة في اللحد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» رواه أبو داود وابن ماجه.
وفي رواية لأحمد: «وَالشَّقُّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ».
ونهينا عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها حسمًا لمادة مشابهة الكفار.. إلى غير ذلك من الأحكام التي تقرر هذا الأصل وتبين أنه مقصود للشارع.
ومنها مخالفة المعهود من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجهيز الميت ودفنه، إذ لم يؤثر عنه ولا عن أحد من أئمة المسلمين شيء من ذلك، ولا جرى عليه عمل أحد من المسلمين فيما نعلم على مدار القرون، فقد كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الميت بعد غسله وتكفينه أن يلحد له ويفضي به إلى الأرض، فقد روي مسلم في «صحيحه» أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال في مرضه الذي مات فيه: الحدوا لي لحدًا وانصبوا على اللبن نصبًا، كما صنع برسول الله.
واستحب أهل العلم أن يجعل الميت في قبره على جنبه الأيمن ووجهه تجاه القبلة، وأن يوضع شيء خلفه من لبن أو تراب يسنده، وأن يوسد رأسه بلبنة أو حجر أو تراب، وينحى الكفن عن خده، ويفضي بخده إلى التراب.
قال عمر رضي الله عنه: إذا أنزلتموني إلى اللحد فأفضوا بخدي إلى التراب. وأوصى الضحاك أن يحل عنه العقد ويبرز خده من الكفن.
ومنها إضاعة الأموال وإهدارها فيما لا طائل تحته، فإن الورثة الأحياء أولى بهذه الأموال المضاعة من الميت، أو من هذه المؤسسات التجارية التي تستثمر مصائب البشر وتتخذ منها سبيلًا إلى الإثراء الفاحش والاستغلال البغيض.
فما لم يكن ثمة إلزام قانوني لا يستطيع الناس له دفعًا أو ضرورة عملية تقتضي مثل هذا التابوت كأن تكون التربة طينية لزجة لا يثبت عليها جثمان الميت أو نحو ذلك من الضرورات العملية فإن إنفاق الأموال في مثل هذه السبيل لا يشرع لما سبق بيانه من الأسباب. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   03 الجنائز

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend