سبب حديث «لا رِبَا بين مسلمٍ وحربي في دار الحرب»


ما هو سبب ورود حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فِي دِيَارِ الحَرْبِ»، بمعنى: ما هي المناسبة التي قال فيها ذلك؟ ولماذا؟ وهل كانوا في غزوة أم قالها في المدينة؟ ولكم مِنِّي فائق الاحترام والتقدير.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أنقل لك ما يلي يا أخي الحبيب من كتاب الدكتور صلاح: «وقفات هادئة مع فتوى إباحة القروض الربوية لتمويل شراء المساكن في المجتمعات الغربية»، وأيضًا موجود باللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية على الموقع، ثم أنقل لك من كتاب «المرتكز الأول»: الاستدلال بما ذهب إليه الأحناف من جواز التعامل بالربا في دار الحرب، وقد أشار إلى هذا المرتكز من قبل الدكتور/ مصطفي الزرقا : في عدة فتاوى صدرت عنه، أشار إليها صاحب الفضيلة الدكتور/ عبد الستار أبو غدة في ورقته المقدمة إلى المؤتمر، كما اعتمد عليه المؤتمران فيما انتهيا إليه من القول بإباحة هذه المعاملة، وإن كان البيان الأخير لمؤتمر رابطة علماء الشريعة قد خلا في صياغته من الإشارة إليه، ولكن ما دار في المؤتمر من مناقشات، وما قُدم فيه من أوراق يؤكد اعتبار هذا المرتكز، والتعويل عليه في تبني هذا الموقف.
ولنا على هذا المرتكز جملة من الوقفات نوجزها فيما يلي:
الوقفة الأولى:
أن أحدًا من المستدلين به لم يناقش مذهب الأحناف في هذه المسألة من حيث المبدأ: قوة أو ضعفًا، صوابًا أو خطأً، وكأنه انطلق من مُسَلَّمَة تمثَّلت في أن الآراء الفقهية كافة ما دامت منسوبة إلى الأئمة المتبوعين فإنها تدخل بذلك في إطار القبول العام، ويمكن الاعتماد عليها، وبناءَ المواقف على أساسها، أيًّا كان حظها من النظر، وهذا خلاف المعروف عند أهل العلم؛ إذ الأصل فيما تنازع الناس فيه أن يرد إلى الله ورسوله، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً [النساء: 59]. ولا أحسب أنه يغيب عن جُل من أجازوا هذه المعاملة ما قرره علماء الأصول في قولهم:
وَلَيسَ كُلُّ خِلاَفٍ جَاءَ مُعتَبَرًا
إِلاَّ خِلاَفٌ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ

وقد تعلمنا منهم ومن أمثالهم أن الحق لا يُعرف بالرجال، وإنما يُعرف الرجال بالحق، وكثيرًا ما ردَّدوا على مسامعنا هذه المقولة: «اعرِف الحق تعرف أهله».
الوقفة الثانية:
أن ما ذهب إليه الأحناف في هذه المسألة معارَض بما ذهب إليه الجمهور من القول بأن حرمة الربا لا تتغير بتغير الأماكن، فالربا حرام فوق كل أرض وتحت كل سماء، فلا يحل للمسلم أن يعامل الحربيين بالربا أخذًا أو إعطاء، وأدلتهم أقوم قيلًا وأهدى سبيلًا، ومن هذه الأدلة:
– إطلاقات النصوص الواردة في تحريم الربا والتي لم تقيده بمكان دون مكان، ولا بفريق من الناس دون فريق.
– أن حرمة الربا ثابتة في حق الكفار كما هي ثابتة في حق المسلمين على الصحيح من أقوال أهل العلم في مخاطبة الكفار بالحرمات، وقد قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: 161]، وقال تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة: 5]، وهذه الآية نص في مخاطبتهم بفروع الشريعة كما يقول القاضي أبو بكر بن العربي في «أحكام القرآن». ومتى كانت المحرمات أمرًا خاصًّا بالمسلمين في ديار الإسلام، فإذا خرجوا منها استحلوا محارم الله؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ».
– قياس حرمة الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب على حرمته بين المسلم وبين المستأمَن في دار الإسلام، فإن المستأمن في دار الإسلام يجري تحريم الربا بينه وبين المسلم إجماعًا، وممن نقل هذا الإجماع الأحناف أنفسهم. فكذلك إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان، وإلا فهو التناقض الذي لا مهرب منه.
– ما يفضي إليه تحريم الربا في علاقة المسلم بالمسلم، وإباحته في علاقة المسلم بالحربي، من التشبه باليهود في تحريمهم الربا في علاقة اليهودي باليهودي، وإباحته في علاقته مع الأميين! ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 75]، وقد جاء في سِفْر التثنية الإصحاح الثالث والعشرين والمنسوب إلى موسى : «لا تقرض أخاك ربًا، ربَا فضة أو ربَا طعام أو ربَا شيء مما يقرض بربًا»، وفيه: «للأجنبي تقرض بربًا، ولكن لأخيك لا تقرض بربًا؛ لكي يباركك الرب إلهك».
فضلًا عما فيه من الازدواجية والتطفيف الذي تلفظه الفِطَر وتنكره العقول السوية، ولقد أشار صاحب الفضيلة العلامة الدكتور/ القرضاوي لهذا المعنى في كتابه القيم: «فوائد البنوك هي الربا الحرام» عندما قال: «ومن فضل الإسلام على البشرية أنه حرَّم الربا تحريمًا جازمًا؛ بل حرَّم كل ما يُفضي إليه أو يُساعد عليه، ولم يقل ما قالته التوراة المحرَّفة من تحريم الربا في معاملة الإسرائيليين بعضهم لبعض، وإباحته إذا تعاملوا مع الآخرين؛ بل حرمه في كل تعامل مع مسلم أو غير مسلم، فالإسلام لا يتعامل بوجهين، ولا يكيل بكيلين».
وأحسب أن الإسلام هو الإسلام، وأنه لا يزال لا يتعامل بوجهين، ولا يكيل بكيلين!
الوقفة الثالثة:
أن أدلة الحنفية فيما ذهبوا إليه من جواز التعامل بالعقود الفاسدة في دار الحرب لا تخلو من مقال، بل هي عند التحقيق ضعيفة ومتهافتة:
– فحديث مكحول: «لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْـحَرْبِ»، الذي يعد عمدة أدلتهم في هذا المقام ردَّه أهل العلم بالحديث والفقه معًا، فقد قال فيه الشافعي: «وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه»، وقال الزيلعي: «غريب»، أي لا أصل له، وقال فيه النووي: «مرسل ضعيف فلا حجة فيه». وقال العيني في «البناية»: «هذا حديث غريب ليس له أصل مسند». وقال ابن قدامة في «المغني»: «وخبرهم مرسل لا نعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك، ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن وتظاهرت به السنة وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول لم يرد في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به».
وعلى فرض ثبوته فإنه يحتمل النهي؛ وذلك كقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 197].
قال النووي رحمه الله تعالى: «والجواب عن حديث مكحول: أنه مرسل ضعيف فلا حجة فيه، ولو صح لتأولناه على أن معناه: لا يباح الربا في دار الحرب؛ جمعًا بين الأدلة».
والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، أو يفهم في ضوء الأدلة القاطعة التي تحرم الربا؛ إذ لا يجوز ترك هذه الأدلة لخبر مجهول لم يرد في كتاب من كتب السنة.
– واستشهادهم بعدم رد النبي صلى الله عليه وسلم لربا العباس إلا يوم فتح مكة، رغم أنه كان مسلمًا بمكة من قبل، وكان تحريم الربا يوم خيبر، ولم يرد ما كان منه من ربا منذ إسلامه بمكة، وقد كانت يومئذ دار حرب إلى أن أصبحت بفتحها دار إسلام، وأن في ذلك دليلًا على جواز الربا في دار الحرب- موضعُ نظر كذلك، بل ضعيف، وأول ما يرد عليه: أنه لو صح هذا التخريج وكان العباس يتعامل بالربا في مكة لأنها كانت دار حرب، فكيف يفسرون استمراره على الربا بعد فتح مكة وتحولها إلى دار إسلام منذ السنة الثامنة من الهجرة حتى كانت خطبة الوداع في السنة العاشرة؟! إن موقف العباس رضى الله عنه محتمل للعديد من التخريجات نذكر منها:
– أن تكون هذه الحالة واقعة عين خاصة بالعباس وحده، لملابسات أحاطت بإقامته في مكة يومئذ وهي دار كفر، وقد أباح له النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم من ذلك، كإظهار الشرك، وإعلان الكفر في مكة أمام المشركين.
– أن يكون الحديث عما كان له من ربا قبل ذلك؛ إذ ليس هناك ما يدل على أن العباس رضى الله عنه قد استمر على الربا بعد إسلامه.
– ولو سلم استمراره عليه فقد لا يكون عالمـًا بالتحريم لإقامته بمكة وبعده عن مهبط الوحي بالمدينة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم إنشاء هذه القاعدة وتقريرها يومئذ، وقد أشار إلى هذا التخريج والذي قبله السبكي في تكملته للمجموع شرح المهذب (9/ 392).
– أن يكون الربا الذي كان يتعامل به العباس مع أهل مكة يومئذ هو ربا الفضل، وليس ربا الديون الذي استفاض تحريمه، وتحريم ربا الفضل مما أنشأته السنة، ولم يكن تحريمه شائعًا معلومًا لجميع الصحابة، فقد كان تحريمه يوم خيبر في السنة السابعة من الهجرة، يدل على ذلك ما روي عن ابن عباس من قوله: «لَا رِبَا فِي بَيْعِ يَدٍ بِيَدٍ، إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ»، وبهذا فقد يكون تعامل العباس به في مكة لأنه لم يبلغه تحريمه.
– وربما لأن تحريم الربا لم يكن قد استقر يومئذ حتى نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278]، وذلك بعد إسلام ثقيف سنة تسع من الهجرة، أي قُبَيل حجة الوداع، فكان العباس يتعامل به في مكة من قبل حتى أحكم الله تحريمه مع نزول هذه الآية الكريمة، ولعل مما يدعم هذا القول ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن تحريم الربا كان على سبيل التدرج، وأن آخر آيات الربا نزولًا آيات سورة البقرة، وبها أحكم التحريم حيث نصت نصًّا قاطعًا على تحريم كل زيادة على رأس المال؛ بل ورد أن هذه الآية هي آخر أي القرآن نزولًا، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس قوله: «آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم آيَةُ الرِّبَا»، وأخرج البيهقي عن عمر مثله.
– ومن ناحية أخرى فإنه لم ينقل قط أن الصحابة تعاملوا بالربا بينهم وبين أهل الحرب، ولو فهم الصحابة جواز التعامل بالربا مع الحربيين لنقل ذلك عنهم، فدل عدم النقل على عدم دلالة هذا الحديث على الجواز.
– ومما هو جدير بالتأمل في هذا المقام أن الأحناف يعتبرون دلالة العام على أفراده دلالة قطعية، ولا يجيزون تخصيصه ابتداء بالدليل الظني كخبر الواحد أو القياس؛ لأن عام القرآن والسنة المتواترة قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وما كان كذلك لا يصح تخصيصه بالظني، ولأن التخصيص عندهم تغيير، ومغير القطعي لا يكون ظنيًّا، وقد ردوا بهذه القاعدة كثيرًا من النصوص الصحيحة والصريحة، كردهم ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، وذلك إعمالًا للعموم الوارد في قوله تعالى بشأن المطلقات: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ [الطلاق: 6]، ولسنا هنا بصدد مناقشة هذه القاعدة وبيان أن جمهور أهل العلم على خلافها، ولكن السؤال الذي نطرحه في هذا المقام: لم خالف الأحناف في هذه المسألة مذهبهم في دلالة العام فقبلوا بتخصيص العمومات القاضية بتحريم الربا بأدلة لا ترقى إلى مستوى الاحتجاج بها ثبوتًا أو دلالة؟
أما استشهادهم بأن أموال الحربيين على أصل الحل، فهي مباحة للمسلم بلا عقد، فأولى أن تباح بالعقد الفاسد؛ لأن هذا على رضًا منهم، ولا يتضمن غدرًا بهم- فهو بدوره ضعيف وموضع نظر، ووجه ضعفه ما يلي:
– أنه منقوض بأن الحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان فلا يجوز للمسلم أن يعامله بالربا اتفاقًا، ولو صح ما ذكروه لكان مطردًا في دار الإسلام وفي دار الحرب على حد سواء، فإن قالوا: إنه قد استفاد العصمة بدخوله دار الإسلام، فأصبحت أمواله معصومة، وخرجت بذلك عن مقتضى الإباحة الأصلية التي أباحت للمسلم أخذ الزيادة منه في دار الحرب، قلنا: وكذلك الأمر عندما دخل المسلم دارهم بأمان فإنهم يستفيدون العصمة بذلك، وتصبح أموالهم في مواجهته أموالًا معصومة، فإن رفعها الرضا هنا فليرفعها كذلك في دار الإسلام، وإلا فهو التناقض الذي لا مهرب منه.
وتفريق الأحناف بين الأمانين: أمان الحربي في دار الإسلام، وأمان المسلم في دار الحرب، حيث يجعل الأول العصمة متبادلة بينه وبين أهل الإسلام، ويقصرها الثاني على عصمة أموال المسلم فقط في مواجهة الحربيين بينما تبقى أموال الحربيين بالنسبة له على أصل الإباحة- لا وجه له؛ إذ كيف يكون الكسب المحرم إذا تراضيا عليه غدرًا مرة ولا يكون غدرًا أخرى؟ كيف يكون تعامله بالربا مع الحربي المستأمن في دار الإسلام غدرًا ولا يكون نفس التصرف مع الحربي المستأمن في دار الحرب غدرًا، كما يقول الدكتور نزيه حماد؟!.
– أنه لا يلزم من إباحة أموالهم بالاغتنام إباحتها بالعقود الفاسدة، فإن أبضاع نسائهم تباح بالاغتنام ولا تباح بالعقود الفاسدة، وقد نوقش هذا الجواب بالتفريق بين الأبضاع وبين الأموال، فالأبضاع لا تباح إلا بالطريق الخاص، ولا تستباح بالإباحة، بخلاف الأموال فإنها تستباح بالإباحة، أو بطيب أنفس أصحابها.
– أن هذا التعليل (إذا سلمنا بصحته جدلًا) قاصر على حالة أخذ المسلم الفضل من الحربي، ولكنه لا يصلح إذا عكس الأمر وكان الحربي هو الذي يأخذ الفضل من المسلم، كما هو الحال في هذه النازلة: شراء البيوت عن طريق الاقتراض الربوي من الحربيين.
أما استدلالهم بمراهنة أبي بكر الصديق رضى الله عنه للمشركين على ظهور الروم على فارس، بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره، فإنه موضع نظر، وقد أجاب أهل العلم عنه بعدة أجوبة، منها:
– أنه منسوخ بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرَر والقِمار، وذكر من قال ذلك أنه قد جاء في بعض روايات الحديث عن نِيَار بن مُكرَم الأسلَمي: «قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك؟ قال: بلى، وذلك قبل تحريم الرِّهان». وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ»، وهو ما ذهب إليه أصحاب مالك والشافعي وأحمد.
– عدم التسليم بحرمة هذا الرِّهان وفساد عقده، فالمحرم من الرِّهان هو الرِّهان الباطل الذي لا منفعة فيه للدِّين، أما الرِّهان على ما فيه ظهور أعلام الإسلام وأدلته وبراهينه؛ كرهان أبي بكر فهو مشروع؛ بل هو أولى بالمشروعية من الرهان على النِّضال وسِباق الخيل والإبل.
– عدم التسليم بإجازة النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء من المال عن هذا الطريق، لما روي من أن أبا بكر لما قمرهم وأخذ الخطر جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتصدق به، وقد استدل سفيان بظاهر هذا على أنه لو كان ذلك طيبًا لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به.
أما استدلالهم بما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا دَارٍ قُسِمَتْ فِي الْـجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْـجَاهِلِيَّةِ»، وقولُهم: إن ما وقع في دار الجاهلية من قسمة الميراث فإنه يمضي وإن كان مخالفًا لأحكام الإسلام، ويُقاس على ذلك المعاملة بالربا- فهو استدلال ضعيف؛ لأنه يحتمل أن معناه أن ما تم بين المشركين من عقود قبل الإسلام لا تُنقض ولا يُتعرض لها، فيخرج بهذا الاحتمال ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس: «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْـجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ».
وبعد: فهذه هي جملة أدلة الأحناف على ما ذهبوا إليه، وقد رأينا ما فيها من ضعف، الأمر الذي لا يصح معه تقييد النصوص الجلية القاطعة الواردة في تحريم ربا النسيئة بمثل هذه الاحتمالات الضعيفة، ومن أجل هذا لم تقبل بقية المذاهب المتبوعة رأي الأحناف في هذه المسألة؛ بل رده كذلك أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة :.
أما ما ذكر من أنه كم من اجتهادات لم يقبل بها السواد الأعظم من أهل العلم في زمانها، ثم فاءت الأمة إليها، ووجدت فيها مخرجًا من أزماتها بعد حين من الدهر، وذلك كاجتهادات شيخ الإسلام في باب الطلاق الثلاث والحلف بالطلاق ونحوه، فهو حق في ذاته، لكن المنازعة في صلاحيته للتطبيق في هذا المقام؛ إذ لا يخفى أن اجتهادات شيخ الإسلام في هذه المسائل لم تُقبل لمجرد أن شيخ الإسلام قال بها؛ بل لما لاحظه من اعتبرها من قوة أدلتها، وسَبْق بعض السلف الصالح من القرون الفاضلة إلى القول بموجَبها، فأرجو الانتباه إلى الفارق بين المسألتين!
هل ورد في المذاهب الأخرى قول بإباحة الربا مع الحربي في دار الحرب؟
لقد ورد عن بعض الأئمة المتبوعين ما يفيد جواز ذلك عند انعدام الأمان بين المسلم والحربي، فقد نص على ذلك مجد الدين بن تيمية في «المحرر» حيث قال: «الربا محرم في دار الإسلام والحرب، إلا بين مسلم وحربي لا أمان بينهما». كما ورد ذكره كذلك عن آخرين من علماء الحنابلة، كما ورد عن بعض علماء المالكية القول بكراهية ذلك وعدم تحريمه، ففي البيان والتحصيل لابن رشد الجَد قوله: «وكذلك الربا مع الحربي في دار الحرب مكروه، وليس بحرام؛ لأنه لما جاز له أن يأخذ من ماله ما لم يؤتمن عليه لم يحرم عليه أن يربي معه فيه، وكره من أجل أنه لم يأخذه على الوجه الذي أبيح له أخذ ماله، وإنما أخذه بما عامله عليه من الربا».
ولا يخفى أن هذه النصوص لا تفيد من ذهبوا إلى القول بالحل في هذه النازلة لسببين:
الأول: أن فرض هذه النصوص انعدام الأمان بين المسلم والحربي، وهو خلاف فرض المسألة المعاصرة؛ لأننا نتحدث الآن عن معاملة تجري بيننا وبين قوم نعيش على أرضهم، وبيننا وبينهم حبال موصولة من الأمان والتعامل، وقد اتفق المجيزون لهذه المعاملة والمانعون منها على هذا القدر، فلم يقل أحد منهم إنه لا أمان بيننا وبين هذه المجتمعات، وفي تملك البيوت للسكنى أكبر دليل على تحقق مثل هذا الأمان.
الثاني: أن هذه الأقوال إنما تتحدث عن أخذ الربا من الحربي، ولا تتحدث عن إعطائه له، وما ورد من أقوال مطلقة في هذا المقام فهي محمولة على ذلك، ومن ذلك على سبيل المثال ما روي عن الإمام أحمد أنه قال: «لا يحرم الربا في دار الحرب»، فإنه محمول على الأخذ لا على الإعطاء، فقد علل ابن مفلح هذه الرواية بقوله: «لأن أموالهم مباحة، وإنما حظرها الأمان في دار الإسلام، فما لم يكن كذلك كان مباحًا». فدل هذا التعليل على اقتصار الحل على حالة الأخذ كما هو ظاهر، وفرض المسألة المعاصرة إعطاء الربا للحربي وليس أخذه منه، وتفصيل القول في ذلك نقدمه في الفقرة التالية.
الوقفة الرابعة:
ما يتضمنه مذهب الأحناف «جواز التعامل بالعقود الفاسدة في دار الحرب» من الأحكام واللوازم الفاسدة التي تنقض عُرى المحرمات عُروة عُروة، والتي لا يقول بها من تبنى مذهبهم في هذه النازلة من المعاصرين، من ذلك على سبيل المثال:
– جواز التعامل بالربا مع مَن أسلموا في دار الحرب ولم يهاجروا، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الحربيين، فقد جاء في «الدر المختار»: «وحكم مَن أسلم في دار الحرب ولم يهاجر كحربي، فللمسلم الربا معه خلافًا لهم؛ لأن ماله غير معصوم، فلو هاجر إلينا ثم عاد إليهم فلا ربَا اتفاقًا». وفي «بدائع الصنائع» للكاساني عند حديثه عن شرائط جريان الربا: «ومنها: أن يكون البدلان متقومين شرعًا، وهو أن يكونا مضمونين حقًّا للعبد، فإن كان أحدهما غير مضمون حقًّا للعبد لا يجري فيه الربا، وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا دخل المسلم دار الحرب، فبايع رجلًا أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا درهمًا بدرهمين، أو غير ذلك من البيوع الفاسدة في دار الإسلام، أنه يجوز عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز؛ لأن العصمة وإن كانت ثابتة فالتقوم ليس بثابت عنده»، فهل يلتزم بذلك من تبنى مذهبهم في هذه النازلة، فيحل للمسلمين الوافدين أن يتعاملوا بالربا- إذا كانت الزيادة لهم- وغيره من العقود الفاسدة مع إخوانهم من المسلمين الجدد في هذه المجتمعات؟!
– ومن ذلك أيضًا ما يتضمنه مذهبهم من جواز تعامل المسلمين الجدد في هذه البلاد أخذًا وإعطاء ما داموا لم يهاجروا، سواء أكان ذلك مع نظرائهم من المسلمين الجدد أم مع بقية الحربيين؛ وذلك لارتباط العصمة عندهم بالدار ابتداء، وقد أشار إلى ذلك ابن عابدين في «الحاشية» في قوله: «يعلم- مما ذكره المصنف مع تعليله- أن مَن أسلمَا ثمَّة ولم يهاجرَا لا يتحقق الربا بينهما أيضًا»، ولا يخفى أن الهجرة لا سبيل إليها في هذه الأيام في الأعم الأغلب، فيتدينون طيلة حياتهم بدين لا أثر فيه لحرمة الربا؟!
– ومن ذلك أيضًا ما يتضمنه مذهبهم «جواز العقود الفاسدة في دار الحرب» من جواز القمار مع الكفار، وجواز بيع المحرمات إليهم؛ كالخمر والميتة ولحم الخنزير ما دامت وسيلةً للحصول على أموالهم التي هي مباحة في الأصل، فهم لا ينظرون إلى فساد العقد في ذاته، وإنما ينظرون إلى كونه وسيلةً إلى الحصول على أموال القوم وهي غير معصومة ولا متقومة ابتداءً، وما هذه العقود إلا وسائل يسترضيهم بها، ويتجنب من خلالها الوقوع في الغدر في حصوله على أموالهم.
يقول السرخسي الحنفي في كتابه «المبسوط»: «وإن بايعهم المستأمن إليهم الدرهم بالدرهمين نقدًا أو نسيئة، أو بايعهم في الخمر والميتة والخنزير، فلا بأس بذلك في قول أبي حنيفة ومحمد- رحمهما الله تعالى- ولا يجوز شيء من ذلك في قول أبي يوسف : لأن المسلم ملتزمٌ أحكامَ الإسلام حيثما يكون، ومِن حُكم الإسلام حرمة هذا النوع من المعاملة».
وفي «فتح القدير» للكمال بن الهمام: «فلو باع مسلم دخل إليهم مستأمنًا درهمًا بدرهمين حل، وكذا إذا باع منهم ميتة أو خنزيرًا أو قامرهم أو أخذ المال، يحل كل ذلك عند أبي حنيفة ومحمد خلافًا لأبي يوسف». فهل يقبل إخواننا المجيزون لهذه النازلة بهذا القول، ويجيزون للمسلم أن يتعامل في بيع المحرمات من الميتة والخمر ولحم الخنزير أو يجيزون له القمار في هذه المجتمعات؟! وهل لقائل أن يقول: إنه إذا أعيد الاعتبار لاجتهادات الأحناف في هذا الباب، فلن يمضي عقد من السنين حتى يتم تطبيع الحس الإسلامي وتطويع الضمير الديني للمقيمين في المجتمعات الغريبة من المسلمين والمسلمات للتعامل بالربا، والتصالح مع الميسر، والتجارة في الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير وغيره من سائر المحرمات؟!
الوقفة الخامسة:
حول مدى ملاءمة مذهب الأحناف للاستدلال به في هذه النازلة- أي للقول بحل شراء البيوت عن طريق القروض الربوية- ولنا على هذه الملاحظات التالية:
الأولى: أن القائلين بالترخص في هذه المعاملة لا يوافقون الأحناف في حكم التعامل بالربا في دار الحرب: فالأحناف يقولون بحله ابتداءً في حال السعة والاختيار بناءً على التوجيهات السابقة، والمترخصون يقولون بحرمته ابتداءً أخذًا بما عليه الجمهور، ولا يجيزونه إلا للضرورات، أو ما قام مقامها من الحاجات العامة، وقد صرحوا بذلك في كل بيان أصدروه، فافترق السبيلان، فتنبه.
الثانية: أن القائلين بالترخص في هذه المعاملة لا تطيب أنفسهم أن يشاع عنهم القول بأنهم يُطْلِقون وصفَ دار الحرب على المجتمعات الغربية إن لم يكن من قَبِيل الموقف الفقهي فمن قَبِيل السياسة الشرعية، ولا تطيب أنفسُهم أن ينقل عنهم إلى العالم أنهم يُنظِّرون لشبابهم وتجمعاتهم استباحةَ أموال الناس في هذه المجتمعات، وأنه إذا تجاوز المسلم دار الإسلام فقد حلت له أموال العالم، لا يتحرز إلا من الغدر والخيانة، لا فرق في ذلك بين ما كان في دار الأمان أو في دار الحرب، وذلك في وقتٍ تشن فيه الغارة على الإسلام ودعاته، ودعاوى الإرهاب تطاردهم فوق كل أرض وتحت كل سماء، ولا أدل على ذلك من أن المؤتمر الأخير الذي عقد في أمريكا قد خلا بيانه الختامي من الإشارة إلى هذا التخريج واكتفى بالنص على قاعدة: «تنزيل الحاجات منزلة الضرورات في إباحة المحظورات»، ولعل هذا استجابة منه لنصيحة مخلصة أهداها إلى إدارته أهل الدراية بهذه المجتمعات.
الثالثة: أن المسلم في هذه النازلة هو الذي يدفع الفضل للحربي، وليس هو الذي يأخذه منه، فهو الذي يقترض بالربا من الحربي، ويدفع القرض أضعافًا مضاعفةً، فهي إذن عكس الصورة التي أجازها الأحناف واتجهت إليها تخريجاتهم الفقهية، ذلك أن قول الأحناف بالحل إنما هو ما كان فيه الفضل للمسلم، والصورة التي معنا على نقيض ذلك، فافترق السبيلان مرة أخرى، فتنبه.
– وتحرير ذلك: أن توجيه الأحناف لهذه المسألة أن الربا لا يقع ابتداءً بين المسلم والحربي في دار الحرب؛ لأن الربا اسم لفضل يستفاد بالعقد، والزيادة التي ينالها المسلم من الحربي لا ينالها بمقتضى العقد الربوي، بل ينالها بمقتضى الإباحة الأصلية لأموال الحربيين، فالعقد الذي يعقده المسلم مع الحربي لا يفيده تملك الزيادة الربوية؛، بل يفيد منه الرضا الذي يحله من قيد الأمان، ويعيد أموال الحربي إلى أصلها من الحل، فيكون أخذ المسلم للزيادة في هذه الحالة كالاستيلاء على الكلأ والمباحات.
– أما أن مذهب الأحناف بأن ذلك فيما كان فيه الفضل للمسلم فهو الذي يشهد به تصريحهم وتخريجهم على حدٍّ سواء، ولعل إطلالة سريعة على الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي تؤكد هذا المعنى وتزيده جلاء: فقد جاء في «بدائع الصنائع» للكاساني- وهو من أمهات كتب المذهب الحنفي- في توجيهه لمذهبهم: «أن مالَ الحربي ليس بمعصومٍ؛ بل هو مباح في نفسه إلا أن المسلم المستأمن منع من تملكه من غير رضاه لما فيه من الغدر والخيانة، فإذا بذله باختياره ورضاه فقد زال هذا المعنى، فكان الأخذ استيلاءً على مالٍ مباحٍ غير مملوك، وأنه مشروع مفيد للملك، كالاستيلاء على الحطب والحشيش».
– ويزيد الكاساني الأمر جلاء فيقول: «وبه يتبين أن العقد هاهنا ليس بتملك؛ بل هو تحصيل شرط التملك وهو الرضا؛ لأن ملك الحربي لا يزول بدونه، وما لم يزُل ملكه لا يقع الأخذ تملكًا، لكنه إذا زال فالملك للمسلم يثبت بالأخذ والاستيلاء لا بالعقد، فلا يتحقق الربا؛ لأن الربا اسم لفضل يستفاد بالعقد».
– وفي «الدر المختار»: «(ولا بين حربي ومسلم) مستأمن ولو بعقد فاسد أو قمار (ثمة) لأن ماله ثمة مباح فيحل برضاه مطلقًا بلا غدر خلافًا للثلاثة». وقد علق ابن عابدين في حاشيته على ذلك فقال: «قال في فتح القدير: لا يخفى أن هذا التعليل إنما يقتضي حل مباشرة العقد إذا كانت الزيادة ينالها المسلم، والربا أعم من ذلك؛ إذ يشمل ما إذا كان الدرهمان أي في بيع درهم بدرهمين من جهة المسلم ومن جهة الكافر، وجواب المسألة بالحل عام في الوجهين، وكذا القمار قد يفضي إلى أن يكون مال الخطر للكافر، بأن يكون الغلب له، فالظاهر أن الإباحة بقيد نيل المسلم الزيادة، وقد ألزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقِمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم، نظرًا إلى العلة، وإن كان إطلاق الجواب خلافه، والله  أعلم بالصواب. قلت: ويدل على ذلك ما في «السير الكبير» وشرحه حيث قال: وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان؛ لأنه إنما أخذ المباح على وجه عري عن الغدر فيكون ذلك طيبًا له، والأسير والمستأمن سواء، حتى لو باعهم درهمًا بدرهمين أو باعهم ميتة بدراهم أو أخذ مالًا منهم بطريق القِمار فذلك كله طيب». ثم علق : على ذلك فقال: «فانظر كيف جُعل موضوع المسألة الأخذ من أموالهم برضاهم، فعُلم أن المراد من الربا والقِمار في كلامهم ما كان على هذا الوجه وإن كان اللفظ عامًّا؛ لأن الحكمَ يدور مع علته غالبًا».
– وفي «المبسوط» للسرخسي عند توجيهه لمذهب أبي حنيفة ومحمد في هذه المسألة يقول: «وهما يقولان هذا أَخَذَ مالَ الكافر بطِيبة نفسه، ومعنى هذا أن أموالَهم على أصل الإباحة إلا أنه ضَمِن ألا يخونهم؛ فهو يسترضِيهم بهذه الأسباب للتحرُّز عن الغدر ثم يأخذ أموالَهم بأصل الإباحة لا باعتبار العقد، وبه فارق المستأمنين في دارنا؛ لأن أموالَهم صارت معصومةً بعقد الأمان فلا يمكنه أخذها بحكم الإباحة والأخذ بهذه العقود الباطلة حرامٌ».
فالأحناف لا يحلُّون الربا في دار الحرب أو غيره من المحرمات القطعية كما قد يتوهم، وإنما يتحدثون عن قضيتين:
القضية الأولى: عدم انعقاد سبب التحريم ابتداءً كما هو الحال بالنسبة لقضية الربا، فهم لا يستحلُّون الزيادةَ الربوية في دار الحرب باعتبار العقد الربوي؛ لأنهم لا يرون انعقاده ابتداءً بين مسلم وحربي، وإن حصلت صورته ظاهرًا؛ وذلك لأنهم باعتبار تخريجهم السابق يرون أن الأصل في أموال الحربيين هو الحِلُّ، وأن المسلم حين ينال الزيادة منهم برضاهم، فإنما ينال ذلك باعتبار الرضا وليس باعتبار العقد، وبالرضا يرجع مالهم حلالًا كما كان، ويتحلل بذلك من قيد الأمان الذي حرَّم أموالهم عليه فتصبح أموالهم مباحةً كغيرها من سائر المباحات، فلا تطيب له الزيادة باعتبار الربا؛ بل باعتبار الإباحة الأصلية، أي إن الأصل في أموالهم هو الحل، وكذلك الأمر بالنسبة لما رخصوا فيه من بيع الميتة أو الخنزير لهم لا ينظرون إلى عقد البيع في ذاته، وإنما ينظرون إلى كونه وسيلة إلى الحصول على أموالهم بطريق عري عن الغدر، فالميتة والخنزير بالنسبة للمسلم كالعدم، ليست مالًا متقومًا عنده، فإذا بذلها لهم ليحصل على أموالهم فقد بذل لهم لا شيء مقابل ما يناله من أموالهم، ولسنا بصدد الرد على هذا القول، فإن فساده ظاهر، فلا تزال هذه العقود محرمة، لا يزال حمل الخمر وبيعها محرمًا سواء حملها إلى مسلم أو حملها إلى حربي، ولا يزال بيع الخنزير محرمًا… إلخ، ولكنها محاولة لفهم مذهب القوم، وبيان أن مردَّ هذه الفروع جميعًا إلى أن مال الحربيين مباح في الأصل، وأن هذه العقود الفاسدة كالعدم، وأن المسلم لا يستحل بها في ذاتها ما يناله من أموالهم، وإنما يسترضيهم بها فقط ليبرأ من الغدر، ثم ينال أموالهم بعد ذلك باعتبار حلها في الأصل بالنسبة له.
القضية الثانية: وهي قضية إقامة العقوبات الشرعية على مَن يرتكب شيئًا مما يستوجب ذلك خارج دار الإسلام، فلا يرون إقامة الحد عليه لعدم توافر المنعة والشوكة التي يستظهر بها في إقامة الحدود، ولكن يلحق فاعل ذلك الإثم ويكون في خطر المشيئة بالنسبة للعقوبة الأخروية.
جاء في «بدائع الصنائع» للكاساني: «وأما الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين فأنواع: منها أن المسلم إذا زنى في دار الحرب أو سرق أو شرِب الخمر أو قذف مسلمًا لا يُؤخَذُ بشيءٍ من ذلك؛ لأن الإمام لا يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب؛ لعدم الولاية». فالقضية عند الأحناف في هذا المقام قضية إقامة حدود وتطبيق عقوبات، وليست قضية حِلٍّ وحُرمة، وإلا فهل يظن بهم القول بإباحة الزنى والسرقة وشرب الخمر للمسلم المقيم في دار الحرب؟!
ولسنا بصدد الرد على تخريج الأحناف في هذا المقام، فقد سبق تفصيل القول في ذلك، ولكن المقصود أن مذهبَهم لا يفيد القائلين بحل القروض الربوية التي يدفع فيها المسلمون الزيادة إلى الكافرين على النحو الوارد في هذه النازلة.
ولا يغني في هذا المقام أن يُقالَ: إن مذهب الأحناف جواز ذلك فيما كانت المنفعة فيه للمسلم، فإذا انعكست الآية وصار أخذ القرض منهم وإعطاؤهم الربا أوفر للمسلم كما في هذه النازلة وجب أن ينعكس الحكم بناءً على أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا؛ لأن مذهب الأحناف في جواز أخذ الزيادة الربوية من الحربي معلل بأن أموالهم على أصل الحل، وأن الاستيلاء عليها برضاهم من جنس الاستيلاء على المباحات، فهو حكم مرتبط بتخريجه وعلته، ولا يخفى أن أموال المسلم بالنسبة للحربي ليست على أصل الحل؛ بل الأصل فيها الحرمة والعصمة، ومن ثم فلا يصح القياس العكسي في هذا المقام لوجود الفارق، فتنبه.
ومن كتاب «نوازل فقهية على الساحة الأمريكية» ما يلي:
وخالف أبو حنيفة وتلميذه محمد بن الحسن فيما سبق، وقالوا: إنه لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب، لأن أموالهم في دارهم على أصل الحل، فبأي طريقٍ أخذها المسلم فقد أخذ مالًا مباحًا ما لم يتضمن ذلك غدرًا بهم أو خيانةً لهم، فلو دخل المسلم إلى دار الحرب فباع لهم درهمًا بدرهمين فلا حرج عليه في ذلك؛ لأن أحكام المسلمين لا تجري عليهم، فبأي وجه أخذ أموالهم برضًا منهم فهو جائز.
وقد استدل أبو حنيفة ومن معه على ذلك بما يلي:
– ما رواه مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْـحَرْبِ».
وقد نوقش هذا الاستدلال بما يلي:
– أن الحديث مرسل ضعيف فلا حجة فيه، قال الشافعي: حديث مكحول ليس بثابت فلا حجة فيه.
– أن الحديث على فرض ثبوته يحتمل النهي كقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197].
وإذا تطرقَ إليه الاحتمال بطلَ به الاستدلال، أو يفهم في ضوء الأدلة القاطعة بتحريم الربا؛ إذ لا يجوز ترك هذه الأدلة لخبر مجهول لم يرد في كتابٍ صحيحٍ من كتب السنة. قال النووي :: «لو صح حديث مكحول لتأولناه على أن معناه: لا يُباح الربا في دار الحرب؛ جمعًا بين الأدلة».
– وما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «كُلُّ رِبَا الْـجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بِنِ عَبِدِ الْـمُطَّلِبِ».
ووجه الدلالة: أن مكة كانت دار حرب وكان بها العباس مسلمًا- إما من قَبل بدرٍ أو من قَبل خيبر- وقد كان تحريم الربا يوم فتح خيبر، ولم يرُد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منه من رِبًا بعد إسلامه إلى أن ذهبت الجاهلية بفتح مكة، ولم تكن مراباة العباس غائبةً عن علم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل فتحها، ولما لم ينهه دل على أن ذلك جائز.
وقد نوقش هذا الدليل بأنه: ليس هناك ما يدل على أن العباس رضى الله عنه استمر على الربا بعد إسلامه، فقد يكون الحديث عما كان له من ربا في الجاهلية قبل إسلامه، ولو سُلِّمَ استمراره عليه فقد لا يكون عالمًا بتحريمه فأراد النبي صلى الله عليه وسلم إنشاءَ هذه القاعدة وتقريرها يومئذ، ولو فهم الصحابة جواز التعامل بالربا بين المسلم والحربي لعملوا به فيما بينهم وبين أهل الحرب، ولكن ذلك لم ينقل قط، فدلَّ على أن حديث العباس لا دليل فيه على الجواز.
– أن أموال أهل الحرب على أصل الحِلِّ مباحة للمسلم بلا عقدٍ فأولى أن تُباح بالعقد الفاسد؛ لأن هذا على رضا منهم ولا يتضمن غدرًا بهم.
وقد نوقش ذلك بما يأتي:
– عدم التسليم بهذه الدعوة، لأن الحربي إذا دخل دارنا بأمان لا يجوز للمسلم أن يعامله بالربا اتفاقًا.
– أنه لا يلزم من إباحة أموالهم بالاغتنام إباحتها بالعقد الفاسد، فإن أبضاع نسائهم تُباح بالاغتنام ولا تُباح بالعقود الفاسدة.
– أن هذا التعليل قاصر على حالة أخذ المسلم الفضلَ من الحربي ولا يصلح إذا عكس الأمر وكان الحربي هو الذي يأخذ الفضل من المسلم.
ولا يخفى من خلال العرض السابق تهافت هذه الأدلة وعدم نهوضها لرد الأدلة القاضية بتحريم الربا بإطلاق.
هذا، وقد ظل أهل الفتوى- كما سبق- على تحريم هذه المعاملة أزمنةً متطاولة باعتبار أنها قرض ربوي ظاهر، وقد أجمع أهل العلم على حرمة ربا القروض، ولكن ضغوط الواقع وأثقال الإلف قد زحزحت بعض حراس الدين عن مواقعهم، وأخذوا يرخصون للناس في هذه المعاملة اعتمادًا على ما ذهب إليه أبو حنيفة من جواز أخذ الربا من الحربي في دار الحرب، واستنادًا إلى الحاجة إلى ذلك والتي تنزل منزلة الضرورة.
ولنا على هذا التحول الخطير عدة وقفات نوجزها فيما يلي:
– الوقفة الأولى: أن ما ذهب إليه أبو حنيفة من القول بجواز أخذ الربا من الحربي في دار الحرب تأسيسًا على أن أموالهم على أصل الحِلِّ- لا يلتقي مع هذه المسألة التي يدفع فيها المسلمون أموالَهم إلى الحربيين، فالحربي هنا هو الذي يأخذ الزيادة وليس المسلم، فهي عكس ما ذهب إليه أبو حنيفة في هذا المقام، فالاستشهاد به يُعد قراءة متعجلة لما ذهب إليه الإمام.
– الوقفة الثانية: أن مَن تبنى هذه المقولة من المعاصرين يعسر عليه أن يتبنى القول بأن المجتمعات الغربية التي تعيش فيها الجاليات الإسلامية هي ديار حرب، وإن اعتقد ذلك في نفسه فلا يستطيع أن يرفع بها صوته في واقع تشن فيه الغارة على الإسلام في مشارق العالم ومغاربه، ويتهم أهله ودعاته بأبشع التُّهم والمناكر، فهل يستطيع هؤلاء الفُضلاء المترخِّصون أن يلتزموا بأن المجتمعات الغربية تُعد من قبيل دار الحرب، وأن أموال أهلها مُباحة للمسلمين، وتأسيسًا على ذلك فللمسلم أن ينالَ من أموالهم ما شاء بالعقود الفاسدة ما دام ذلك عن رضا واختيار، وأن للمسلم أن يعاملهم بالربا فيما كان الفضل له، ولا يعاملهم بالربا فيما كان الفضل عليه؟!
– الوقفة الثالثة: ما الذي يؤمِن هؤلاء المترخِّصين ألا يتدرج الناس من استباحة الأموال بالعقود الفاسدة إلى استباحة الأبضاع بالعقود الفاسدة، وتَوَقَان النفوس إلى النساء أشد من تَوَقَانها إلى الأموال؟!
– الوقفة الرابعة: أنه إذا ساغ القول بجواز هذه المعاملة في أحوال الضرورة والاقتهار عندما يجد المسلم نفسه ملجَأ إلى ذلك، لكثرة عياله، وضيق ذات يده، وامتناع الإيجار عليه، وتعذر حصوله على القرض الحسن للشراء الحال، فإن الاقتراض بالربا تُحِلُّه الضرورات- فينبغي أن نفرقَ بين هذا القول وبين القول بمشروعية هذه المعاملة ابتداءً بناءً على مشروعية الربا في دار الحرب بحيث يدخل الأمر في نسيج المشروعية الأصلية، لا فرق بين حالِ السَّعَة والاختيار وبين حال الضرورة والاقتهار.
– الوقفة الخامسة: أن شُيوع الحاجة إلى تملك البيوت في المجتمعات الغربية لا يبرر إباحة المحرمات، وإنما يُوجب تكاتف المسلمين فيما بينهم لإنشاء المؤسسات القادرة على تلبية هذه الحاجة في إطار المشروعية الإسلامية، أو على الأقل لإقناع البنوك الربوية بتعديل عقودها الربوية بما يتفق مع مقررات الشريعة، وليس ذلك ببعيد، فإن هذه المؤسسات تركض خلف الكسب أنَّى لاحَ لها بريقُه، وإذا استشعرت أن خلفَ هذه المطالبة جاليات إسلامية كثيرة العدد فلا يضرها قط أن تغيرَ في عُقودها بما تستجلب به أموال هؤلاء.
لقد ظهرت في نهاية النصف الأول من هذا القرن محاولات لتبرير فوائد البنوك بتبريرات فقهية متهافتة، ولو استجابت الأمة لهذا التبريرات ما عرفت أرضها البدائل الإسلامية في عالم المال والمصارف، لكن الحراس ثبتوا يومئذٍ في مواقع الحراسة للدِّين وردُّوا هذه التبريرات، ففتقت الحاجة الحيلة، وعرفت بلاد الإسلام المؤسسات المصرفية التي تعمل في إطار الشريعة لتكون بديلًا من المصارف الربوية التي تعربد في ديار الإسلام بأنظمتها المحرمة، وكل يوم يمضي يتكشف للعالم كله مدى الوهم في هذه الخرافة القديمة التي تقول: لا اقتصاد بلا بنوك، ولا بنوك بلا فوائد!
والذي نخلص إليه من هذا كله ما يلي:
أولًا: التأكيد على ما أكدت عليه الأدلة الشرعية القاطعة من حرمة الربا بنوعيه: فضلًا ونسيئة، وأن فوائد البنوك هي الربا الحرام، وهو ما قررته جميع دُور الإفتاء والمجامع الفقهية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
ثانيًا: التأكيد على أن الربا لا تُحله في الأصل إلا الضرورات، شأنه شأن سائر المحرمات القطعية في الشريعة، وعلى مَن تلبَّسَ بحالة من حالات الضرورة أن يلجأ إلى مَن يثق في دينه وعلمه من أهل الفتوى في تقدير ضرورته.
ثالثًا: أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور متى توافرت شرائط تطبيقها، وتتمثَّل هذه الشروط فيما يلي:
– تحقق الحاجة بمفهومها الشرعي وهو دفع الضرار، والضعف الذي يصدُّ عن التصرف والتقلب في أمور المعاش، واستمرار الناس على ما يقيم قواهم، وليس مجرد التشوف إلى الشيء، أو مجرد الرغبة في الانتفاع والترفه والتنعم.
– انعدام البدائل المشروعة، وذلك بأن يعمَّ الحرام، وتنحسم الطرق إلى الحلال، وإلا تعين احتمال الكل في كسب ما يحل، ومن بين هذه البدائل الاستئجار متى تحققت به الحاجة.
– الاكتفاء بمقدار الحاجة، وتحريم ما يتعلق بالترفه والتنعم، أو محض التوسع.
– انعدام القدرة على التحول إلى مواضع أخرى يتسنَّى فيها الحصول على البديل المشروع.
رابعًا: وبناءً على ما سبق فإن الأصلَ في العاجز عن تملك مسكن بطريق مشروع لا ربا فيه ولا ريبة أن يقنع بالاستئجار، ففيه مندوحة عن الوقوع فيما حرمه الله ورسوله من الربا.
خامسًا: إذا مثل الاستئجار حرجًا ومشقةً ظاهرةً بالنسبة لبعض الناس، باعتبارات تتعلق بعدد أفراد الأسرة، أو لغير ذلك جازَ لهم الترخُّص في تملك مسكن بهذا الطريق في ضوء الضوابط السابقة، بعد الرجوع إلى أهل العلم لتحديد مقدار هذه الحاجة، ومدى توافر شرائطها الشرعية، وذلك للتحقق من مدى صلاحيتها بأن تنزل منزلة الضرورة في إباحة هذا المحظور.
وقد أظهرت التجربة أن اشتراطَ عددٍ معين في أغلب الأحوال أمر نظري محض، لا يهتم ملاك البيوت بالتقيد به، وإن كانوا يذكرونه للمستأجر احترامًا للقانون.
سادسًا: التأكيد على ما أكدت عليه كل المجامع الإسلامية الرسمية والأهلية من ضرورة العمل على توفير البدائل الإسلامية لمشكلة تمويل المساكن: إما من خلال إنشاء مؤسسات إسلامية وهو الأَوْلَى باعتباره الأَرْضَى للربِّ جل وعلا، والأنفع لدينه ولعباده، أو من خلال إقناع البنوك الغربية بالتعديل في عقودها في تعاملها مع الجاليات الإسلامية بما يتفق مع مقررات الشريعة الإسلامية، إلى أن يتوافر البديل الإسلامي المنشود، وهو أمر ميسور في هذه المجتمعات، ولو أن ما بذل من الجهود في إقامة المؤتمرات التي تتبنى حل هذه المعاملة قد بذل في إقناع البنوك الربوية بتبني النموذج الإسلامي المنشود لتمَهَّد سبيل إلى حل هذه المشكلة ولو بصورة مبدئية.
سابعًا: مناشدة القادرين في العالم الإسلامي أن يتبنوا مشروعًا استثماريًّا يجمع الله لهم فيه بين الكسب في الدنيا والأجر في الآخرة، لتوفير مساكن للراغبين في ذلك من المسلمين المقيمين في المجتمعات الغربية، وذلك بصيغة من الصيغ الشرعية المعروفة مشاركة، أو استصناعًا، أو تأجيرًا منتهيًا بالتمليك أو نحوه، وألا يغالوا في تقدير أرباحهم، حتى لا يكونوا فتنةً تصد الناس عن التعامل ابتداءً مع المؤسسات الإسلامية، وتحملهم على إساءة الظن بالتطبيق الإسلامي كلما دعي إليه أو لاحت بوادره. والله أعلى وأعلم.
تحديد نسبة ربح التجارة في الإسلام

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend