حول تناول شجرة «القات» والتجارة فيها وزكاتها في اليمن

شيخي الفاضل بلا شك أن لكم علم بشجرة القات في اليمن؛ هل تُعَدُّ هذه الشجرة من الخبائث كما قال تعالى: { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} [البقرة: 267].
السؤال الأول: هل يتصدق الإنسان من كسب هذه الشجرة أو يقوم بإخراج الزكاة منها؟
علمًا بأن علماء اليمن توقفوا عن الإفتاء بحُرمة هذه الشجرة، ومنهم من أعدَّها من الخبائثِ، والقليل من أفتى بحُرمتها.
السؤال الثاني: ما حُكم من يتناول هذه الشجرة؟ علمًا بأن من يزرع هذه الشجرة يقوم بتسميمها، والغرض ليس لقتل الحشرات وإنما لكي تُغيِّر لونها ولترطيبها لكي تكون سهلةَ المضغ، ويكون تسميمها قبل حصادها بيوم، وهذا شاهدته بعيني.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف أهل الفتوى في اليمن في حكم هذه الشجرة بناء على اختلافهم في ضررها وإسكارها، ويوشِكُ أن تتفق كلمة المحدثين منهم على منعها، لما تمخضت عنه من الأضرار البالغة على العقل والبدن والمال، بل والاقتصاد العام والانبعاث الحضاري في المجتمع اليمني بأسره.
والنهي عن الضرر والضرار من الأصول المقرَّرة في الشريعة، ولا أريد أن أقدم بين يدي علماء اليمن، فهم أهل الفتوى في هذه النازلة، لعلمهم بدقائقها، وبتفاصيل آثارها أكثر ممن لم يرها في حياته إلا مرَّة، ولم يتذوقها قط.
وقد قال ابن حجر الهيتمي: «إني وإن لم أجزِمْ بِتحريمه على الإطلاق.. أرى أنَّه لا ينبغي لذي مروءةٍ أو دينٍ أو ورَعٍ أو زُهدٍ أو تطلُّعٍ إلى كمالٍ من الكمالات أن يَستعمِله؛ لأنَّه من الشُّبهات؛ لاحتِماله الحِلَّ والحرمة على السَّواء، أو مع قرينةٍ أو قرائنَ تدلُّ لأحدهِما، وما كان كذلك فهو مشتبِهٌ أيَّ اشتباهٍ، فيكون من الشُّبهات الَّتي يتأكَّد اجتِنابُها.. وإذا تقرَّرت لك هذه الأحاديث، وعلمت أنَّ غايةَ أمر هذه الشجرة أنَّها من المشتبهات، تعيَّن عليك- إن كنتَ من الثِّقات والمتَّقين- أن تَجتنِبها كلَّها، وأن تكفَّ عنه، فإنَّه لا يتعاطى المشتبهات إلا مَن لم يتحقَّق بحقيقة التَّقوى، ولا تَمسَّك من الكمالات بالنَّصيب الأقوى»(1).
ويتفرَّع القول في الصَّدقة من كسبها وفي وجوب زكاتِها على القول فيها بالحِلِّ أو بالحرمة:
فمن أفتى فيها بالحرمة لم يجعلها مالًا متموَّلًا، وأوجب التخلُّص من كل ما كسبه منها باعتباره كسبًا خبيثًا تولَّد عن عمل محرم، والزكاة لا تطهِّر مثل هذا المال الخبيث، فـ«إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا»(2)، بل يجب التخلُّص منه جميعًا، والتوبة إلى الله من الاستثمار في هذا المجال.
ومن أفتى فيها بالحلِّ أجرى فيها الخلافَ المعروف في زكاة الخارج من الأرض، هل تجبُ الزكاة في كلِّ ما يخرج من الأرض، كما قال أبو حنيفة(3)، فيدخل في ذلك القات؟ أم أنها تختص بالحبوب والثمار، كما قال الجمهور(4)، فلا يدخل في ذلك القات باعتباره أقرب إلى الخضروات؟
والحزم أيها الأحبة التواصي بالتخلُّص من هذه الشجرة الخبيثة، وتخليص المجتمع اليمني المبارك من أسرِها، لكي يعود كما كان دائمًا منبع الإيمان والحكمة. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) «الفتاوى الفقهية» (4/228-229).

(2) أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها» حديث (1015)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3) ##. جاء في« بدائع الصنائع» (2/59 ) من كتب الحنفية «الخارج مما له ثمرة باقية فليس بشرط لوجوب العشر بل يجب سواء كان الخارج له ثمرة باقية أو ليس له ثمرة باقية وهي الخضراوات كالبقول والرطاب والخيار والقثاء والبصل والثوم ونحوها في قول أبي حنيفة»

(4) ##.جاء في «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (1/ 396 ) من كتب المالكية «لا زكاة في الفواكه والخضر. خلافاً لأبي حنيفة، لأنه إجماع أهل المدينة نقلا؛ لأن الخضر قد كانت على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والأئمة بعده، فلم ينقل أنه طالبهم بزكاة عنها، ولو كان ذلك قد وقع لم يغفل نقله؛ ولأنه من الأمور العامة التي تمس الحاجة إلى علمها، وقد روي: (ليس في الخضروات صدقة)؛ ولأنه نبت لا يقتات مع الادخار كالحشيش؛ ولأنه جنس من المال لا يعتبر النصاب في ابتدائه فلم يجب فيه عشر كالحطب».
وجاء في «المهذب» (1/156 ) من كتب الشافعية « وتجب الزكاة في كل ما تخرجه الأرض مما يقتات ويدخر وينبته الآدميون كالحنطة والشعير والدخن والذرة والجاورس والأرز وما أشبه ذلك لما روى معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والبعل والسيل والعين العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر يكون ذلك في الثمر الحنطة والحبوب فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضراوات فعفو عفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وجاء في« المغني» (2/547 ) من كتب الحنابلة« الزكاة تجب فيما جمع هذه الأوصاف الكيل والبقاء واليبس من الحبوب والثمار مما ينبته الآدميون اذا نبت في أرضه سواء كان قوتا كالحنطة والشعير والسلت والأرز والذرة والدخن أو من القطنيات كالباقلى والعدس والماش والحمص أو من الأبازير كالكسفرة والكمون و الكراويا أو البزور كبزر الكتان والقثاء والخيار أو حب البقول كالرشاد وحب الفجل والقرطم والترمس والسمسم وسائر الحبوب وتجب أيضا فيما جمع هذه الأوصاف من الثمار كالتمر والزبيب والمشمش واللوز والفستق والبندق ولا زكاة في سائر الفواكه كالخوخ والإجاص والكمثري والتفاح والمشمش والتين والجوز ولا في الخضر كالقثاء والخيار والباذنجان واللفت والجزر».

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع, 15 الحدود

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend