الصلاة إلى غير القبلة سهوًا

ما حكم من صلى إلى غير القبلة ناسيًا؟

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذه المسألة من مسائل النظر بين أهل العلم:
فمنهم من قال: لا تلزمه الإعادة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ربَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا﴾ [البقرة: 286].
وهو اجتهاد البخاري وابن حجر، ويُفهم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد ترجم البخاري فقال: باب ما جاء في القبلة، ومن لا يرى الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة، وقد سلم النبي ﷺ في ركعتي الظهر وأقبل على الناس بوجهه ثم أتمَّ ما بقي(1).
قال العيني: «هذا في حكم من سها فصلى إلى غير القبلة. وأشار إلى حكم هذا بقوله: ومن لم يرَ الإعادة… إلى آخره. وهذا بابٌ فيه الخلاف؛ وهو أن الرجلَ إذا اجتهد في القبلة فصلى إلى غيرها. فهل يُعيد أم لا؟…»
ثم قال العيني عن تبويب البخاري: «مطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث عدم وجوب الإعادة على من صلى ساهيًا إلى غير القبلة، وهو ظاهر؛ لأنه في حال إقباله على الناس داخلٌ في حكم الصلاة، وأنه في ذلك الزمان ساهٍ مُصِلٍّ إلى غير القبلة»(2). اهـ.
وقال ابن حجر: «من تحوَّل عن القبلة ساهيًا لا إعادة عليه»(3). اهـ.
وخالف في ذلك آخرون فأوجبوا عليه الإعادة، وحجتهم في ذلك ما يلي:
أن استقبالَ القبلة شرطُ صحة، والشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته، كالطهارة والنية ودخول الوقت، فمن صلى على غير طهارة لم تصح صلاته، وكذلك من صلى قبل الوقت ناسيًا.
أن القاعدة في النسيان والجهل: أنهما ينزلان الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزلان المعدوم منزلة الموجود. والقبلة لم تستقبل، فهي معدوم.
وهذا هو اختيار اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين؛ فقد سُئلت: ما حكم من قَدِم إلى بلدٍ وصلى إلى غير القبلة ساهيًا، مع معرفته لاتجاه القبلة، وتذكَّر ذلك بعد فوات وقت الصلاة التي أداها؟
فأجابت بقولها: من صلى إلى غير القبلة تفريطًا منه حيث لم يسأل ولم ينظر في الأدلة التي تدل على اتجاه القبلة فإنه يُعيد الصلاة؛ لأن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة مع القدرة عليه، فعليه الإعادة، وهكذا من صلى إلى غير القبلة ساهيًا تلزمه إعادة الصلاة؛ لإخلاله بشرط من شروطها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الفتوى رقم (17279).
والاحتياط الخروج من الخلاف وإعادة الصلاة. والله تعالى أعلى وأعلم.

______________

(1) أخرجه البخاري في كتاب «الصلاة».

(2) «عمدة القاري» (4/143).

(3) «فتح الباري» (3/96).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الصلاة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend