رد شبهة قضية العذر بالجهل

أحد أصدقائي بدأ يبحث في الشبهات ولم يعُد يصلي، وكان يحدثني منذ فترة فقال: لماذا يعذب الله الناس الذين لم يجدوا من يدلهم على الطريق الصواب؟! إذ هذا خطأُ الـمُبلغ الذي لم يمتلك القدرة على الإقناع وليس خطأَ المستمع الذي لم يقتنع بحجة المبلغ أو شخصيته الضعيفة؟ فبماذا أرد عليه في هذه المسألة تحديدًا؟ وماذا أفعل معه عمومًا؟
الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن حكم الخطاب لا يثبت في حق المكلف إلا إذا بلغه؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15].
والجهلاء الذين لم تبلغهم الدعوة يُمتحَنون في عَرَصـات يوم القيامـة، فمـن لم تُقَم عليهم حجة الله في الدنيا، فإن الله يُقيم حجته عليهم في الآخرة، وذلك بأن تُرفعَ لهم نار يؤمرون باقتحامها، فمن اقتحمها دخل الجنة، وهو الذي كان يُصدِّق الرسل لو جاءته في الدنيا؛ لأن الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل، ومن لم يقتحمها عُذِّب.
واستدلوا على هذا ببعض النصوص المروية في هذا الباب، والتي قال فيها ابن كثير: «أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح، كما قد نصَّ على ذلك غير واحد من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يُقوَّى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها»(1). اهـ.
نذكر منها: «أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ. فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا. وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ. وَأَمَّا الْـهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا. وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ. فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ». قال: «فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا»(2).
فلا يدخل النارَ أحدٌ يوم القيامة إلا وهو مُقِر بذنبه ومعترف بأن النار أولى به ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: 11].
وننصحك إن تمادى في غَيِّه أن تعتزله حتى لا يفتح عليك بابًا من أبواب الفتنة، وأن تدُلَّه على أحد من أهل العلم ليتابع معه، ونسأل الله أن يردَّه إليه ردًّا جميلًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــ
(1) «تفسير ابن كثير» (3/32).
(2) أخرجه أحمد (15866).

تاريخ النشر : 19 أغسطس, 2017
التصنيفات الموضوعية:   09 نواقض الإيمان.

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend