حول قول: مدد يا رسول الله

شيخنا الفاضل كثيرًا ما يحدُثُ أن أحضر بعض الأعراس فيكون هناك أناشيد إسلاميَّة يكون في بعض الأحيان أفراد الفرقة من الإسلاميين مع ذلك يردِّدون مثل قول: مدد يا رسول الله مدد، وسقينا بالمدد. فهل هذا القول يُعَدُّ من الشِّرْكِ الأكبر لكونه استغاثَةً بغير الله أم لهؤلاء تأويل غير هذا؟ أرجو الإجابَةَ فضيلة الشيخ المبارك.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإنَّ طَلَب الإمداد والإعانة والغوث إن كان من حيٍّ حاضِرٍ فيما يقدِرُ عليه فلا حَرَج، فإن المرْءَ قليلٌ بنفسه كثير بإخوانه، وقد قال تعالى في قصة موسى مع القبطي: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: 15].

وكانت الجيوش المقاتِلَة إذا اسشتعرَتْ عدَمَ تكافؤ القوى مع العدُوِّ وخشيت أن يحاط بها ترسل في طلب المدَدِ من الخلفاء فيعينونهم بقوة إضافية تدعمهم وتشدُّ أزْرَهم.
أمَّا إذا كان طلب المدد من الموتى أو الغائبين فذلك صورة من صور دعاء غيرِ الله فيما لا يقدِرُ عليه إلا الله، فتكون من جنس الشِّرْك الأكبر.
قال اللهُ تعالى بعد أن بيَّن لعبادِه تدبيره للكون وتسخيره إياه: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 13]، فسَمَّى دعاءَهم شركًا، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف: 5].

فأخبر سبحانه بأن المدعُوِّين سواه من الأنبياء والصَّالحين غافلون عن دعاء من دعاهم، ولا يستجيبون دعاءهم أبدًا، وأنهم سيكونون أعداء لهم ويكفرون بعبادتهم إياهم.
ومما يجدُرُ التنبيه عليه أن الحديثَ هنا عن الفعْلِ وليس عن الفاعل؛ لأن الفاعل قد يكون جاهلًا فيُعَلَّم، أو غافلًا فيُنَبَّه، ولا يجوزُ إطلاقُ أحكام الشرك والكفر على آحاد النَّاس إلا بعد توفُّر شروط التكفير وانتفاءِ موانعه، وقد عمَّت البلوى بهذه الشِّرْكِيَّات، وتورط في تزيينها في عيون العوام فئات من المنتسبين إلى العلم وفُتِنَ بهم خلْقٌ كثير.
فلابد أن يعتبر هذا عند الحكم على معين من هؤلاء الجهلاء أو الغافلين، لاسيما وأن هناك من زيَّن لهم أن المقصودَ بهذه الكلمة طلب المدد من الله، أي يقويه الله على فعل الخير ببركة رسول الله، وهو تأوُّل متكلَّف، وخلاف ظاهرِ العبارة، وفساد مثل هذا التأويل ظاهر، ولكنه شبهة تدرأ حكم الشرك عن هؤلاء حتى تقامَ عليهم الحجة الرسالية التي يَكفر منكِرُها أو مكابرها، ولكن يبقى الفعل في ذاته منكَرًا ومشجوبًا، وهو رد على قائله أيًّا كان وأيًّا كان تأوله. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend