من نفائس ما كتب ابن تيمية رحمه الله، فيمن تختلط عليه المفاسد والمصالح، وتتزاحم عنده المنافع والمضار في المناط الواحد

فضيلة الدكتور الكريم، من فضلكم، لدي ثلاثة أسئلة:
((وقد يتعذَّر أو يتعسَّر على السالك سلوكُ الطريق المشروعة المحضة إلا بنوع من المُحدَث؛ لعدم القائمِ بالطريق المشروعة علمًا وعملًا، فإذا لم يحصل النورُ الصافي بأن لم يوجد إلا النورُ الذي ليس بصافٍ- وإلا بقي الإنسان في الظلمة- فلا ينبغي أن يعيب الرجلُ وينهى عن نورٍ فيه ظلمة؛ إلا إذا حصل نورٌ لا ظلمة فيه، وإلا فكم ممن عدَل عن ذلك يخرج عن النور بالكليَّة، إذا خرج غيرُه عن ذلك لما رآه في طرق الناس من الظلمة)). أريد مثالًا عمليًّا من الواقع على كيفية تطبيق هذا الكلام.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذه العبارة من نفائس ما كتب شيخ الإسلام رحمه الله، فهو يشير بهذا إلى اختلاط المصالح بالمفاسد، وتزاحم المنافع والمضار في المناط الواحد، وقد يتعذر القيام بكثير من أعمال الخير إلا بتحمل بعض الشوائب من الشَّر، وعندئذ ينظر إلى خير الخيرين فنُحققه، وإلى شرِّ الشرين فندفعه.
لقد دعا أحمد بن حنبل للمعتصم وهو يجاهد في عمورية، وقد كان ممن يقولون بخلقِ القرآن وممن يفتنون الناس بذلك، وعلى رأس من تجرعوا سياطه واستطالاته الإمام أحمد نفسه، ولكن مصلحةَ الجهاد الواجب يومئذ كانت لا تتحقق إلا به.
وقد تتفاوت رُتب الأئمة في الفسوق فنقدم أقلَّهم فسوقًا، فإن كان فسقُ أحدهم بانتهاك حرمة الأموال وفسق الآخر بانتهاك حرمة الدماء، قدمنا المنتهك للمال على المنتهك للدماء؛ لأن حرمةَ المال دون حرمة الدماء وهكذا، وإن تضمن ذلك إعانة للظالم على بعض ظلمه، وذلك دفعًا لما بين مرتبتي الفسوق من التفاوت,
وقد تجوز الإعانة على المعصية لا من حيث كونها معصية، بل من حيث كونُها تعيَّنت سبيلًا لدفع معصية أكبر، وهكذا.
وهذا باب دقيق من الفقه، زلَّت فيه أقدامُ كثيرين، والتبس أمرُه على كثيرين، وبسببه يقع كثير من الفتن والمنازعات، والمخرج من فتنته الرجوع إلى الثقات الفحول من أهل العلم وحملة الشريعة، والاعتصام فيه بالشورى، وعدم التفرُّد فيه بقرار أو موقف، والمعصوم من عصمه الله عز وجل. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   09 آداب العلم وطرق تحصيله

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend