اقتحام التحرير والاعتصام فيه وقت محاكمة مرسي

هل نقتحم التحرير وقت محاكمة مرسي مهما كانت التضحيات؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأبدأ بكلمة لسلطان العلماء العز بن عبد السلام والتي يقرر فيها جواز التغرير بالنفوس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند أئمة الجَوْر؛ لما فيه من إعزاز الدين ونصر رب العالمين، وقد جعله ﷺ أفضلَ الجهاد، فقال ﷺ: «أَفْضَلُ الْـجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»(1)؛ لأن تغريره لنفسه وبذله لها آلم من تغرير المجاهدين؛ فإن المجاهد يرجو أن يقتل قِرْنَهُ بخلاف الآمر والناهي للسلطان الجائر(2).
ولكن هذه التضحيات إنما تشرع عندما تُفضي إلى غاية شرعيَّة، تفوق في نظر الشارع ما بُذل في سبيلها من تضحيات، فمن اعتبر هذه المجازفات جهادًا أو حسبةً يقال له: لقد شُرعت التضحيات في الجهاد لإعزازِ الدين، وإجلالِ رب العالمين، وشفاءِ صدور المؤمنين، وذهاب غيظ قلوبهم، كما قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 14، 15].
أما أن يكون الجهادُ مشروعَ استشهادٍ فحسَب، أو تغريرًا بالنفوس في غير ما طائلٍ، أو مُفضيًا إلى نقيض ما قُصد به شرعًا، بأن أدى إلى إبادة المجاهدين، واستئصال شأفتهم، وشفاء صدور خصومهم- فهذا الذي لا أعرف له نظيرًا في الشريعة. وأحسب أن العقلاء جميعًا يتفقون على عدم مشروعية ذلك، فما هي الغاية المشروعة التي يُرجى تحقيقُها من وراء هذه المجازفات؟!
فاقتحام محاكمة مرسي لن يُطلِق سراحه، ولن يكسبه تعاطفَ الناس معه، ولن يزيد الصورة المشيطنة سلفًا إلا مزيدًا من القتامة والجهامة، ولن يُفضي إلا إلى مزيد من إراقة الدماء المحرمة، ومزيد من الفواجع التي تضاف إلى فواجعنا السابقة.
لن يقبل العسكر بطبيعة الحال أن يُهاجَموا في عرينهم، ولديهم من وسائل الفتك ما نعرف وما لا نعرف، والنتيجة هي دفقات جديدة من الدماء المحرمة، التي تزيد المشهد الدامي بؤسًا وفجيعة ومرارة.
وأحسب أن مثل هذه الدعوة تأتي من قبل الشباب بعواطفه المشبوبة المتوقدة، وخليق بقادته أن يُبصِّرُوه بالعواقب، وأن يلجموا نزوات عواطفه بنظرات العقول وأنوار البصيرة، كما قال المؤسس الأول للدعوة :: «ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الـمَيْل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلَّابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحوِّلوا تيارها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر، وما هي منكم ببعيد». فهذا الذي ظهر لي. والله تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الملاحم» باب «الأمر والنهي» حديث (4344)، والترمذي في كتاب «الفتن» باب «ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» حديث (2174) من حديث أبي سعيد الخدري ، وقال: «حديث حسن».

(2) «قواعد الأحكام» (1/111-112).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend