صفة شَعر النبي ﷺ

هل كان الرسول ﷺ له ضفائر؟ وهل كان يضفِّر شعره؟ وهل المقصود بالضفائر مثل ما تفعله النساء؟ وأنا لا أقصد أن أشبه إمام الأمة بالنساء، ولكن أريد أن أفهم، ويغفر الله لي. وجزاكم الله خيرًا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن مسألة إطالة الشعر أو تقصيره من مسائل العادات وليست من مسائل العبادات، وقد جاء الأمر بأن من كان له شعر فلْيُكرِمه(1)، ولكن لم يَرِد تكليف بإطالة الشعر وإرساله واتخاذه ضفائر، ودعني أصف لك شعر رسول الله ﷺ:
كان شعره ﷺ شديد السواد، رَجِلًا، أي ليس مسترسلًا كشعر الروم ولا جعدًا كشعر السودان، وإنَّما هو على هيئة المُتَمَشِّط، يصل إلى أنصاف أذنيه حينًا، ويرسله أحيانًا فيصل إلى شَحمَة أُذُنيه، أو بين أذنيه وعاتقه، وغاية طوله أن يضرب مَنكِبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق، وبهذا يُجمع بين الروايات الواردة في هذا الشأن، حيث أخبر كل واحدٍ من الرواة عمَّا رآه في حين من الأحيان.
فعن عائشة ل قالت: كان شعر رسول الله ﷺ فوق الوَفْرة ودون الجُمَّة(2).
الوفرة: شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن. والجُمَّة: شعر الرأس إذا سقط على المنكبين.
قال الإمام النووي: هذا؛ ولم يحلق النبي رأسه (أي بالكلية) في سِني الهجرة إلا عام الحُديبية، ثم عام عُمرة القضاء، ثم عام حجة الوداع، ولم يكن في رأس النبي ﷺ شيب إلا شُعيرات في مفرِق رأسه، فقد أخبر ابن سعيد أنه ما كان في لحية النبي ﷺ ورأسه إلا سبع عشرة شعرة بيضاء(3)، وفي بعض الأحاديث ما يفيد أن شيبَه لا يزيد على عشر شعرات(4)، وكان عليه الصلاة والسلام إذا ادَّهن واراهُنَّ الدهن(5) (أي أخفاهن)، وكان يدَّهِن بالطيب والحِنَّاء.
وعن أم هانئ ل قالت: قدم رسول الله ﷺ مكة وله أربع غدائر(6). والغدائر: هي الضفائر.
قال الحافظ ابن حجر :: «وما دل عليه الحديث من كون شعره ﷺ كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص(7) وضفائر، كما أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانئ قالت‏:‏ قدم رسول الله ﷺ مكة وله أربع غدائر. وفي لفظ: أربع ضفائر. وفي رواية ابن ماجه: أربع غدائر. يعني ضفائر. وهذا محمول على الحال التي يبعُد عهده بتعهُّده شعره فيها، وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه»(8). انتهى باختصار.
وهذا الأمر كان في عرف ذلك الزمان مقبولًا ومتعارفًا عليه، ولا يُعَد من قبيل التشبه بالنساء، فإذا اختلف العُرف وكان المسلم في مكان لم يعتد أهله عليه، أو نظروا إلى فاعله على أنه متشبِّه بأهل الفسق أو النساء فلا ينبغي فعله.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :: إطالة شعر الرأس لا بأس به؛ فقد كان النبي ﷺ له شعر يقرب أحيانًا إلى منكبيه، فهو على الأصل، لا بأس به، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف، فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم؛ فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر؛ حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة. اهـ.
فالمسألة إذًا بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم، فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم؛ فلا بأس به، أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضِّعَة، فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها، ولا يرِد على هـذا أن النبي ﷺ- وهو أشرف الناس وأعظمهم جاهًا- كان يتخذ الشعر؛ لأننا نرى في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبُّد، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة. والله تعالى أعلى وأعلم.

______________________

(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الترجل» باب «في إصلاح الشعر» حديث (4163) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال: ««مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ»». وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (500).

(2) أخرجه أبو داود في كتاب «الترجل» باب «ما جاء في الشعر» حديث (4187)، والترمذي في كتاب «اللباس» باب «ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر» حديث (1755)، وقال: «حديث حسن صحيح».

(3) أخرجه ابن شبة في «أخبار المدينة» (1/329) حديث (1006).

(4) فقد أخرج الطبري في «تهذيب الآثار» (1/510) حديث (971) من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري رضي الله عنه  قال: كان الشيب الذي بالنبي ﷺ تسعًا أو عشر شعرات.

(5) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/90) حديث (20872)، والحاكم في «مستدركه» (2/664) حديث (4202)، والترمذي في «الشمائل المحمدية» ص59 حديث (44)، من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه . وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه». وصححه الألباني في «مختصر الشمائل المحمدية» حديث (32).

(6) أخرجه أبو داود في كتاب «الترجل» باب «في الرجل يعقص شعره» حديث (4191)، والترمذي في كتاب «اللباس» باب «دخول النبي ﷺ مكة» حديث (1781)، وابن ماجه في كتاب «اللباس» باب «اتخاذ الجمة والذوائب» حديث (3631). وحسنه ابن حجر في «الفتح» (10/360)، وذكره ابن القيم في «زاد المعاد» (1/177) وقال: «هذا حديث صحيح». وصححه الألباني في «مختصر الشمائل» (23).

(7) جمع عقيصة، وهي: الخصلة. انظر «المحكم» لابن سيده (1/147).

(8) «فتح الباري» (10/360).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 الإيمان بالرسل., 08 التاريخ والسير

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend