طلب الأب مالًا من أحد أبنائه لمساعدة ابنه الآخر في زواجه

والدي يريد أن يزوج جميع أخوتي من صاحبات جواز أمريكي، فتزوجت أنا وأيضًا الذي بعدي، والآن يريدون يزوجون أخي بصاحبة جواز وقد شرطت أمها مهرًا قدره 60 ألف دولار 30 ألف مقدم و20 ألف يعمل أخي لها ورقة و10 آلاف ذَهَبٌ، وشرط عليَّ والدي مبلغ وقدره 15 ألف دولار، وأنا لا طاقة لي به ولدي عائلة زوجه وثلاثة أولاد ودخلي محدود، وهددني أبي في حال عدم إرسال المبلغ بيمين مُعظَّم وحلف بالطلاق أنه في حال عدم إرسال المبلغ سوف يمنع أمي من الكلام معي وسوف يأخذ منها ذهبها. فما العمل شيخي؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فما كان ينبغي لوالدك- غفر الله له أن يكلفك ما لا تُطيق- وفرق بين أن يأخذ منك لحاجته الشخصية فهنا يقال: أنت ومالك لأبيك، فعن جابر t أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»(1). ولفظ أحمد وأبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن أعرابيًّا أتى للنبي  فقال: إن أبي يريد أن يَجْتَاح مالي، فقال: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا»(2).
وذكر الشوكاني في هذا الحديث طرقًا، ثم قال: «وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج…». ثم قال: «فيدلُّ على أن الرجل مشارك لولده في ماله، فيجوز له الأكل منه، سواء أذن الولد أو لم يأذن. ويجوز له أيضًا أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما دام محتاجًا، ولم يكن ذلك على وجه السَّرَف والسفه». ونقل الشوكاني القول عن العلماء أن اللام في الحديث، لام الإباحة لا لام التمليك؛ فإن مال الولد له، وزكاته عليه، وهو موروث عنه(3).
أما أن يأخذ من مالك ليُعطي أحدًا من إخوتك فتلك لا تدخل فيما يظهر في دلالة الحديث؛ لما تثيره من ضغائن بين الإخوة، ولما فيه من تفضيل لبعض الأبناء على بعض، سيما إذا لم يكن الحديث عن أمر ضروري من ضرورياتهم، وإنما عن مسائل تحسينية تكميلية، والالتزام بها من جنس لزوم ما لا يلزم!
أما إذا كان ابنُه الآخر محتاجًا، فلا حرج في إرفاقه بجزء من مالك، سدًّا لضرورته أو دفعًا لحاجته، والجواز الأمريكي أو غير الأمريكي لن يجتاز به أصحابه على الصراط! ولن يدخلوا به إلى الجنة!
وأيًّا كان الأمر فنصيحتي لك أن تأتمر بينك وبين والدك في ذلك بمعروف، وأن تجتهد في إقناعه بالحُسنى بتضررك مما يريد! ويجمل بك أن تتجاوب معه بما تقدر عليه من المبلغ الذي طلبه؛ فإن ما لا يُدرك كله لا يترك جله، واحتسب في ذلك الأجر من الله U، ولا بأس بتوسيط بعض الصالحين من أهل العلم للشفاعة لك عند الوالد بالرفق بك وبتقدير ظروفك وضغوطك العائلية، وإياك والغلظة عليه في القول، أو أن تنهره عند محاورتك له في شيء من ذلك؛ فقد قال ربك جل وعلا: { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23، 24]. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب «التجارات» باب «ما للرجل من مال ولده» حديث (2291) من حديث جابر بن عبد الله t. وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (3/ 37) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري».

(2) أخرجه أبو داود في كتاب «البيوع» باب «في الرجل يأكل من مال ولده» حديث (3528)، والترمذي في كتاب «الأحكام» باب «ما جاء أن الرجل يأخذ من مال ولده» حديث (1358)، وابن ماجه في كتاب «التجارات» باب «ما للرجل من مال ولده» حديث (2290) من حديث عائشة ل. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

(3) «نيل الأوطار» (6/117).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend